دينيّة
11 شباط 2021, 08:00

عندما يتحوّل خميس "السّكارى" إلى ذكرى!

ريتا كرم
بين العيد والعادة، مشهد كان يتكرّر سنويًّا في كلّ بيت مسيحيّ ليلة الخميس السّابقة للصّوم الكبير، مشهد كان تحلّق العائلة حول المائدة شيئًا أساسيًّا فيه، مائدة جُهّزت بكلّ أنواع المشروبات والمأكولات من بياض ولحوم ودسم، وبين اللّقمة والأخرى نخب يرفعه المجتمعون: "كاس هالجَمعة!"، "عقبال كلّ سنة!".. "يرحم موتاكم!". ولكن هذا المشهد سيغيب هذا العام بسبب التّباعد الاجتماعيّ الّذي لا يزال ضروريًّا في هذه المرحلة الدّقيقة في مواجهة وباء كورونا الخبيث. فالصّحّة يهدّدها فيروس ينتشر بشكل أكبر خلال التّجمّعات، حتّى تلك العائليّة، ويفتك بأفرادها على حين غفلة ويخظفهم من بين أحبّائهم فجأة.

نعم هذه "اللّمّة" لن تتمّ كما تعوّدنا في الخميس السّابق لزمن الصّوم، ولكن الرّحمة على نفوس موتانا هي حاجة في هذا اليوم، وفي هذا الزّمن، أكثر من أيّ وقت مضى، سواء مع نخب أو بدونه. وتبقى "الذّكرى" لتخبر عن معنى هذه العادة، وتصوّب المنحى نحو التّسمية الصّحيحة لهذا الخميس السّابق لأحد المرفع، فهل هو خميس "السّكارى" أم الذّكارى"؟

وفي هذا السّياق، يوضح الأب جوزيف أبي عون الجدل القائم حول هذا الموضوع، فيقول:

"بالواقع، هذه المناسبة ليست بمناسبة ليتورجيّة أو كنسيّة، بل تقليد مسيحيّ اجتماعيّ قديم يجتمع فيه العائلات والأصدقاء، فيفرحون بأكل اللّحوم المسموحة طيلة الأسبوع. وهذه اللّحوم تُهيّأ بأحد المرفع، كما يُسمّى "أحد الدّبيح"، أيّ كما كانت العادة، كانت كلّ عائلة تربّي خروفًا أو جديًا، أو أكثر حسب حاجة كلّ عائلة، ويُذبح في أحد المرفع، أيّ في بداية أسبوع المرفع. ويوم الخميس هو الذّروة في الملتقى، فيلتئمون حول المائدة، ويتشاركون الأكل وشرب العرق أو النّبيذ، ويفرحون ويغنّون الأغاني البلديّة الفولكلوريّة... فكانت- ونتمنّى أن تبقى- من أجمل المناسبات وأحلاها في اجتماع العائلات والأصدقاء.

ليس من الضّرورة بلوغ السّكر، لكن إسمه هكذا "خميس السّكارى"، للإشارة إلى وجوده في أسبوع المرفع السّابق لزمن الصّوم، حيث كان غير مسموح أكل "الزّفرة" وشرب الكحول.

وكم من الشّبّان والشّابّات "راحو" خطيفة ليلة خميس السّكارى وتكلّلوا يوم الأحد، أحد عرس قانا الجليل... كانت كنائسنا تعجّ بأفراح الأكاليل خلال أسبوع المرفع.

هو يوم "خميس السّكارى" وليس "خميس الذّكارى"، كما يُقال إنّه حدث تحريف للكلمة، إذ لا يوجد في اللّغة العربيّة "ذكارى"... نحن نتذكّر موتانا لكن بفرح وسلام. وأسعد شيء على قلوب الّذين سبقونا هو أن نكون مجتمعين على المحبّة والوئام والإلفة... والمائدة هي الرّمز والعلامة...

إنّ المسيحيّة ليست جماعة الحزن فقط، بل هي الجماعة الّتي تعرف أن تفرح مع الفرحين وتحزن مع المحزونين... يسوع فرح بعرس قانا الجليل وحزن مع أختيْ ألعازر مرتا ومريم...".

ولعلّ هذا العام، لن يكون المشهد نفسه، بسبب الوباء أوّلاً، والأزمة الاقتصاديّة ثانيًا، وتداعيات الوضع الاجتماعيّ والسّياسيّ ثالثًا. ولكن لا شيء يمنع أن توجّه في هذه اللّيلة الأنظار نحو ذكريات لقاءاتنا العائليّة السّابقة، وأن نترحّم على أرواح من غابوا عنّا هذا العام بخاصّة من ماتوا ضحايا لفيروس كورونا، ومستغلّين هذه المناسبة لتهيئة نفوسنا لزمن الصّوم، متذكّرين خمرة المسيح الّتي شربها تمهيدًا لموته وقيامته برجاء ومحبّة وأخوّة وتضامن في عالم بات بأمس الحاجة إلى هذه المقوّمات ليستمرّ.