ثقافة ومجتمع
02 كانون الأول 2014, 22:00

علامات فارقة في حياتي مع سعيد عقل؟!

( سيمون عواد - النهار - بيروت) منذ لقاءيّ الأخيرين به، في شقتيه السابقتين في قرنة الحمرا وزوق مكايل على حدود مزرعة يشوع، عرفت كيف شحّ زيت ذاكرته، إذ أخذ يكرر الجملة أكثر من مرة، إلاّ أنه لم يفقد صفاءه الذهني والداخلي!في منزله – الاستوديو في بدارو وفي بناية مجاورة لصقاً للبناية التي يشغلها الاخوان عاصي ومنصور الرحباني، كنت معه وأنا في "ملحق النهار" وبرامجي الاذاعية الطفل المدلل لجديده ولجديد الرحابنة، حتى أن كل من عاصروني في تلك المرحلة يذكرون كيف أنني خُصصت بشريط "سفر برلك"، على مدى شهر قبل أن يتداول، للاستعانة به في برنامجي السياحي "أهلاً بكم في لبنان"!

ثم لم يفارقني، بل اقترب من منزلي الوالدي في عين الرمانة وفي الشارع العريض، حتى في اتون الحرب سنة 1975، وبعدها عندما علا صوته لمحاربة الفلسطينيين الذين حاولوا في تلك المرحلة أن يحرروا القدس من جونيه، فأنشأ آنذاك فصيل "حراس الأرز" لجبه محاولاتهم الى جانب الفصائل المسيحية الأخرى.
ومهما نشزت بعض الأصوات التي ذكّرت بعدائه آنذاك للفلسطينيين، فإن مغناة "سيف فليُشهر... يا قدس يا مدينة السلام نصلي"! وبصوت ملائكي آسر هو صوت فيروز التي تذكّرني في أحد لقاءاتي به منتصف الليل وعلى شرفة فيلاها الخلفية، وكأنها ضربت هذا الموعد في هدأة الليل لتصفية الحديث الذي دار بيننا.
يذكّرني بعض هؤلاء الذين هاجموا لبنان ومسيحييه ليستولوا على "وطن النجوم"، مثلما استولى اليهود على وطنهم "الأم"، ولم ينجحوا! ألم يقل تشرشل في عزّ تعرض بلاده في الحرب العالمية الثانية: "أنا أتحالف مع الشيطان إن كان هذا الأمر يحمي بلادي!".
أما قصتي معه في "الأكاديمية اللبنانية" التي وضع دستورها المبدئي ميخائيل نعيمة قبل أن ينسحب وتولى عقل إعادة صوغها بلغته الساحرة والآسرة، فيما تولى شارل مالك وضع نظامها الداخلي من مصادر الأكاديميات العالمية، فهي تنم عن "توادّ" عندما كان يبرز خلافه مع نعيمة وعمر أبو ريشة، فقد كان يتلقى محاولاتي لإصلاح "سوء الفهم" بصدر رحب ونفسية محبة!
فكرة الموت لم تخالجه يوماً، حتى يوم تعرض الى جانبي لقذيفة تبعد بضعة أمتار في الشارع الذي يقيم فيه قائد الجيش السابق عادل شهاب في عين الرمانة، إذ أنني رجفت في تلك اللحظة وربت كتفي "كمّل ما تخاف، الله حامينا"، الى بدارو وشقته المتواضعة! فقد بات ليلته تلك التي سبقت الحادثة عند شقيقتي نهاد الكبرى وصهري إدمون الحلو إبن عمتي وطوال الليل حتى منتصفه ظل يحادثني في أمور شتى فجافاني النوم في تلك الليلة قبل أن يستيقظ!
قصته مع غسان تويني عندما طلب مني عميد "النهار" أن أفاتحه بأن يتولى رئاسة تحرير مجلة علمية خيالية على نسق "planète"، وأن أكون مدير تحريرها، وخصص خمسين ألف ليرة موازنة شهرية لعدد واحد. وعندما عرضت عليه ذلك طالب بثلاثة ملايين ليرة سنوياً وتوقف العرض قبل أن ينطلق.
أما لماذا اختارني تويني فلأنني كتبت دراسة علمية – خيالية بتوقعات 2000 – 3000 في مجلة "القضايا المعاصرة" التي كنت مساعداً لرئيس تحريرها السفير محمد علي حماده، حتى أنه لفرط إعجابه بتلك الدراسة "التصورية" والتي طلب إذناً بترجمتها مستر "هيدجز" ذو العلاقة المباشرة بمجلة "فورين آفيرز"، شجعني على الكتابة في هذا الخط التأليفي الجديد بالعربية، وأن أنجز رواية فيه. ووضع في تصرفي في ذلك الزمن عشرين ألف ليرة كسلفة على الحساب! إلاّ أن ظروف الحياة حالت، ضمن انشغالاتي المتفرعة، عن القيام بذلك ويا للأسف برغم المحفزات، ومنها الدراسة التي أثنى فيها الصديق الراحل موريس الجميّل وفي "القضايا المعاصرة" نفسها في عددها التالي لنشرتي دراستي وتصوراتي!