ثقافة ومجتمع
06 تموز 2020, 13:00

صوت الصّمود... من بعلبك إلى كلّ لبنان

ماريلين صليبي
هي ليلة لا تشبه باقي ليالي لبنان، هي ليلة خارج الزّمن، خارج أزمة كورونا التي استفحلت بالعالم وخارج الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي أثقلت كاهل المواطن اللّبنانيّ.

هي ليلة تميّزت بألوانها، بأصدائها، بجمالها، وبمقاربتها، فليالي اللّبنانيّين تبدو منذ مطلع العام سوداويّة وحيدة يسودها الظّلام والغصّة والسّكوت، لتأتي ليلة الخامس من تمّوز/ يوليو فتزيل غبار اليأس والضّعف والتّعب وتضجّ تاريخًا أصيلًا مصقولًا بحاضر مُرّ يمهّد لمستقبل مشرق.

 

هي ليلة الصّمود بإمتياز، ففي قلعة بعلبك، وبين أعمدة معبد باخوس، تعانق التّاريخ والحضارات مع الثّقافة والفنّ، فأطلّ بصيص نور في ظلمة الوطن المعيشيّة والصّحّيّة.

 

ففي عالمنا المحجور وبلدنا المهموم، ها هي هذه الإطلالة الفنّيّة العريقة تُبثّ مباشرة على شاشات التّلفزيون لتعيد الأمل إلى صفوف متابعيها، وتؤكّد أنّ للجميع هذا العام الحقّ بالمشاهدة والتّمتّع علّ صوت الموسيقى يؤمّن نسيان المشاكل.

 

هذا العام إذًا، مقاربة مهرجانات بعلبك الدّوليّة أتت مختلفة، فكورونا منعت روّاد الفنّ من معانقة عواميد بعلبك وتنشّق عبير الموسيقى تحت سمائها، إلّا أنّ الإعلام كان حاضرًا ليُدخل عبق التّاريخ والأدب والموسيقى إلى كلّ بيت، لا بل إلى الشّوارع، فصدى مهرجان بعلبك لم يدوِّ فقط في سماء المنطقة، بل نقلت واجهة المتحف الوطنيّ واللّافتات الإلكترونيّة على تقاطع الرّينغ روعة هذه اللّيلة، فتفتّحت قلوب اللّبنانيّين قليلًا وخرجت من ظلمة زنزانة هذه الظّروف الصّعبة.

 

مهرجان بعلبك استحضر فخر الدّين منذ عام 1618، فقدّمت الفرقة الموسيقيّة بقيادة المايسترو هاروت فازليان عشرين دقيقة من مسرحيّة "أيّام فخر الدّين" في معبد جوبيتر. عبق الرّحابنة إلتقى مع بيتهوفن في الذّكرى الـ250 لولادته في ألمانيا، واللّقاء الأكبر مع جبران خليل جبران، بلسان رفيق علي أحمد في قراءة لإحدى روائع جبران خليل جبران من كتابه "دمعة وإبتسامة"، ومقطوعة لغبريال يارد من فيلم "النّبيّ" بالإضافة إلى أعمال كلاسيكيّة من مطلع القرن العشرين.

 

كانت خمس وخمسين دقيقة من مزيج التّاريخ والفنّ والتّراث والشّعر والعظمة والموسيقى التي هي لغة يفهمها الجميع، لغة الرّوح والنّفس الجامعة، لغة وصلت إلى قلوب اللّبنانيّين جميعهم من دون تمييز أو تفرقة، من مختلف إنتماءاتهم السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة.

 

خمسٌ وخمسون دقيقة من بعلبك كانت كافية لتوقظ الأمل في قلوب دهسها اليأس، وتوحّد اللّبنانيّين حول الوطن والصّمود، علّها تكون وخزة ضمير لكلّ المسؤولين...