ثقافة ومجتمع
01 شباط 2016, 15:58

صفحات الفيسبوك.. كتابٌ عن الإدمان

لا شكّ في أنّ مواقع التّواصل الإجتماعي تحتلّ اليوم حياة النّاس بكلّ جوانبها وتسيطر على علاقاتهم وباتت جزءًا أساسيًّا من يوميّاتهم. فتويتر، فيسبوك، إنستغرام... وغيرها مواقع إلكترونيّة تكبّل أصحابها وتشدّهم في نفقٍ تداعياته قد تكون كارثيّة عليهم. ومن هنا يُطرح السّؤال حول الإدمان الذي يولّده فيسبوك، فالتّواصل مع الأصدقاء وإحياء العلاقات التي تفصلها آلاف الكيلومترات ليسا السّببين الوحيدين لإنشاء صفحة خاصّة على فيسبوك؛ بل الإدمان يتعدّى ذلك بأشواط.

يبدأ الإدمان حين يسيطر حبّ الفضول على طبع الإنسان؛ فيصبح الأخير فضوليًّا في رؤية صور الآخرين، مهتمًّا بأدقّ التّفاصيل وأسخفها: أين فلان الآن؟ ماذا فعل؟ من تزوّج؟ ماذا إرتدى؟ ويصبح التّجسّس على خصوصيّة الآخر الشّغل الشّاغل له. ويصبح ملمًّا بالجغرافيا ومهتمًّا بالتّاريخ، فيواكب أصدقاءه خطوة بخطوة كيفما تحرّكوا.

يُضاف إلى عوارض الإدمان تعزيز الـ"أنا" المترافق مع تناوب مشاعر النّشوة وخيبة الأمل؛ فيصبح هاجس الإنسان الوحيد زيادة لائحة أصدقائه، زيادة نسبة الـ"لايك" على صوره، زيادة عدد الذين يطلبون صداقته؛ فكلّما زادت نسبة متتتبّعيه، تشبّعت نفسه المتكبّرة وتغذّت روحه بداء الـ"أنا".

وأخيرًا، يزداد الإدمان حدّةً بسبب واجبات اللّباقة والأدب. فكيف أتجاهل مَن لم يتجاهلني؟ أيُعقل أن أعلّق على صورة من لم يعلّق أو يردّ بسرعة على مشاركتي؟ وتنطبع في مخيّلة المرء لائحة حسابات تحدّد التّصرّفات وتقيس التّحرّكات.

الفيسبوك كغيره من مواقع التّواصل الإجتماعي وسيلة تهدف أساسًا إلى  الإنفتاح على العالم، تقريب المسافات وإختراق الحواجز، ولكنّ الإنسان، بطبيعته الهشّة وميله إلى المبالغة، حوّله إلى مادّة إدمان محت شخصيّته وخصوصيّته.

فبين كتاب الواقع وكتاب الخيال صفحة واحدة، صفحة فيسبوك، تدفع المرء إلى الإدمان، إلى الشّلل الفكريّ والإجتماعيّ...