سبت لعازر
قد يظنُّ البعض أنّه ذكرى كنسيَّة تقلُّ أهميَّةً عن الحدث الجلل في الأسبوع اللّاحق ألا وهو القيامة. ولكن لقيامة لعازر وسبته أهميّة كبرى وتعدّ مقدّمةً لقيامة الرَّبّ.
يقع سبت لعازر خارج أيّام الفترة الأربعينيَّة إذ تنتهي الأخيرة يوم الجمعة من الأسبوع السّادس أيّ قبل يومٍ من سبت لعازر. كما أنَّه يقع خارج أيّام الأسبوع العظيم.
والخدمة اللّيتورجيَّة لهذا السَّبت هي خدمةٌ قياميَّةٌ كخدمةِ يوم الأحد، خلافًا لسائر أيّام الأسبوع بحيث يقول الكاهن مثلًا في دورة الإنجيل "خلّصنا يا ابن الله يا من قام من بين الأموات" وليس "يا من هو عجيب في قدّيسيه". وبالتّالي، فإنّنا نستنتج من هذا الوضع أنَّ سبت لعازر هو سبت استثنائيٌّ في السَّنة وهو يومٌ قياميٌّ.
يلتقي هذا اليوم مع أحد الشَّعانين على مستويين، الأوَّل لاهوتيّ إذ أنَّهما مقدِّمةُ فرحِ الأسبوع العظيم، الّذي يتكلَّل بقيامة الرَّبّ يسوع المسيح من بين الأموات. ("سبقت يا مخلّصي فحقّقت قيامتك المجيدة لما أعتقت من الجحيم لعازر" أو "أيّها الموت إنّ المسيح قد سباك الآن بواسطة لعازر، فأين غلبتك يا جحيم؟ ها بكاء بيت عنيا عاد وبالاً عليك ونحن جميعنا نقدِّم للمسيح أغصان الغلبة والظَّفر"(من تراتيل صلاة السَّحر في هذا اليوم).
والثّاني جغرافيٌّ لأنَّ بيت عنيا هي مكان إقامة لعازر وهي نقطة إنطلاق السَّيّد قبل أيّامٍ من الفصح إلى أورشليم حيث احتشد النّاس وافترشوا بثيابهم الأرض ليعبر عليها.
"وَالْجَمْعُ الأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ.وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ: "أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي"." (متّى 21 : 8 - 9)
أضف إلى ذلك إنَّ قيامة لعازر ليست مناسبةً خاصَّةً به وحسب بل هي تعنى بكافَّة الرّاقدين لأنَّها تؤكِّد إيماننا بالقيامة. فالرَّبّ يسوع المسيح هو القيامة ومن يتبعه ويؤمن به فهو قائمٌ من بين الأموات. ونستشفُّ ذلك من كلامه لمرتا يوم قيامة لعازر حين قال لها: "سيقوم أخوك،قالت له مرثا: أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة، في اليوم الأخير،قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا". (يوحنّا 11: 23 - 25)
أيضًا في حدث إقامة لعازر من الموت تتجلّى بوضوحٍ طبيعتي يسوع الإلهيَّة والإنسانيَّة فنراه يبكي على صديقه لعازر وعلى طبيعة الجنس البشريّ الّتي باتت خاضعةً للموت بسبب الخطيئة، كما نراه في الوقت عينه غالبًا الموت ومقيمًا إيّاه من الفساد. "لما قال هذا صرخ بصوت عظيم: لعازر، هلمّ خارجًا". (يوحنّا 11: 43) فموت لعازر وإقامته هو إماتةٌ للموت وليس للإنسان.
بعيدًا عن اللّيتورجيا وفيما يخصُّ التَّقاليد والتُّراث، تختلف طرق الاحتفال بهذا اليوم وبهذه الذِّكرى بين كنيسةٍ وأخرى، ففي حين تكتفي بعض الكنائس بإقامة القداديس والصَّلوات اللّيتورجيَّة، تتفرَّد الكنيسة المارونيَّة بإحياء هذا اليوم بطريقةٍ تقليديَّةٍ امتدَّت من أيَّام الأجداد ولغاية يومنا الحاضر. إذ تحيي مجموعةٌ من الفتيان والفتيات في هذا اليوم ذكرى إقامة المسيح للعازر من القبر من خلال تنقّلهم من ساحة الكنيسة إلى بيوت الأهل والجيران والأحياء، حيث يؤدّون الحدث الإنجيليّ وأدوارَ شخصيّاته كمسرحيَّةٍ في كلِّ مكانٍ، مانحين من حولهم الفرح بالقيامةِ المنتظرة والرَّجاء بالملكوت إلى جانب الرَّبّ.