ثقافة ومجتمع
03 كانون الثاني 2017, 10:05

رحلة تركيا المأساويّة.. إقلاع حكوميّ وهبوط إعلاميّ

ماريلين صليبي
وضَّبُوا أمتعتهم فرحًا، حملوا آمالهم حماسةً، وسافروا من دون أن يدركوا أنّهم قد حجزوا لأنفسهم مكانًا في قافلة ضحايا الهجوم الإرهابيّ على ملهى لارينا اللّيليّ في اسطنبول..

 

هم ريتا الشّامي، الياس وارديني وهيكل مسلّم الذين غادروا لبنان ليحتفلوا بليلة رأس السّنة في تركيا، من دون أن يعرفوا أنّ الموت يلاحقهم وأنّ سفرهم هذا عقبه سفر اتّجاهُه واحدٌ يوصلهم إلى الحياة الثّانية.

بين أزقّة الملهى تخفّى الخوف، بين السّاهرين تغلغل الإرهاب، هجم الموت وسرق أرواح شباب في الرّبيع من العمر من جهة ولطّخ أجساد آخرين بدماء الجراح المؤلمة من جهة أخرى..

فرانسوا الأسمر، نضال بشرّاوي، ناصر بشارة، بشرى الدّويهي وميليسا بارالاردو تمازجت أوجاعهم الجسديّة بأحزان غمرت قلوبهم، فالطّائرة التي جمعت ضحكاتهم أثناء الرّحيل من لبنان إلى تركيا، هي نفسها أعادتهم ممدّدين على فراش العناية الطّبّيّة المشدّدة وأعادت رفاقهم في نعوش.

هجوم اسطنبول حادثة أليمة أَجمَعَ المواطنون على التّعاطف مع ضحاياها؛ حادثة شكّلت - للأسف - انطلاقة حزينة للعام 2017..

هي حادثة نقلت مستجدّاتها وسائل الإعلام بتغطية مباشرة شبه دائمة، تغطية تستفزّ المشاهد وتحرّك الأخلاقيّات المهنيّة.

إذ دخلت الكاميرات حرمة منازل أهل الضّحايا، لقطت عدساتها إصابة الشّباب، حاولت الميكروفونات رفع صوت الآهات والأوجاع، شدّدت اللّقطات على الدّموع المنهمرة من عيون الأصدقاء.. غير إنسانيّ كان إعلامنا اللّبنانيّ، لا يمتّ بالاحترام بصلة، بل يبغى السّبق الصّحافيّ على حساب الأخلاق.  

إعلام كان بعكس الدّولة التي أظهرت مدى ارتفاع مستويَي السّلامة والرّقيّ فيها - في صورة فريدة من نوعها - إذ تمّمت مسؤوليّتها كاملةً أمام حادثة حزينة ولّدت ضحايا أبرياء: سهرت أوّلًا القوى الأمنيّة والجمعيّات المعنيّة والصّليب الأحمر على بسط الأمن ليلة رأس السّنة بنجاح على الأراضي اللّبنانيّة، وتكاتفت ثانيًا الوزارات المعنيّة من أجل تأمين الطّبابة والرّاحة للضّحايا وأهاليهم.

حزينة وقاسية كانت بداية العام 2017، لذا تبقى الدّعوة اليوم إلى المسؤولين في لبنان للاستمرار بهذا التّعاون في الظّروف الإيجابيّة والسّلبيّة، الدّعوة إلى اللّبنانيّين أيضًا لاعتبار بلدهم المكان الأنسب للاحتفال والفرح، الدّعوة إلى الإعلام لنقل الخبر كما هو من دون البحث عن الإثارة المزخرفة، والدّعاوى إلى الرّبّ لفيض الرّحمة إلى الموتى والشّفاء إلى الجرحى وحلّ السّلام في العالم.