دعوة السبعين رسولًا وإرسالهم إثنين اثنين علامة حبّ لله والناس
إنفرد القدّيس لوقا بذكر إرسال يسوع للسبعين رسولًا إثنين إثنين (لو10:1-24) بينما اجتمع الإنجيليّون الإزائيّون الثلاثة: متّى، مرقس، لوقا، على سرد إرسال الربّ يسوع للتلاميذ الاثني عشر.
فما الفرق بين الإرساليْن؟
الرسل الاثنا عشر، كان يسوع دعاهم وهم لبّوا الدعوة وتركوا كلّ شيء وتبعوه وأمضوا معه الوقت كلّه، منذ بداية رسالته وحتّى القبض عليه في بستان الزيتون.
المُرسلون السبعون، عيّنهم الربّ يسوع، من بين الرجال الذين رافقوه من دون أن يتركوا كلّ شيء، وأصغوا إلى تعليمه، وعاينوا معجزاته من دون أن يلازموه طوال الوقت. هؤلاء أرسلهم يسوع أمامه إلى حيث كان مزمعًا أن يمضي وكانوا من ضمن من اجتمعوا في العليّة في انتظار تحقيق الله لوعده. بالتالي، هم أيضًا نالوا الروح القدس ليعضدهم في إتمام الرسالة التي ائتمنهم الربّ عليها، أي نقل البشرى السارّة إلى الناس.
ولكن، أتكلّمنا على الرسل الاثني عشر، أم على "السبعين الآخرين" الذي أرسلهم الربّ "كالخراف بين الذئاب"، فإنّنا "كلّنا مدعوّون، كالرسل، إلى حمل الرسالة من دون خوف، ومدعوّون لنخدم. الربّ يسوع يُرسلنا للخدمة كإرسال الله للسبعين شيخًا في العهد القديم (عد 11: 16) لنصير نحن شيوخ العهد الجديد ممتلئين من الروح القدس.
أرسلهم اثنين اثنين «وبعد ذلك عيّن الربّ سبعين آخرين أيضًا، وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كلّ مدينة وموضع حيث كان هو مزمعًا أن يأتي» (لو10: 1). نتساءل: لماذا أرسلهم هكذا ولم يرسلهم واحدًا واحدًا؟ نقرأ في سفر الجامعة: «اِثنانِ خَيرٌ مِنْ واحِدٍ، لأنَّ لهُما أُجرَةً لتَعَبِهِما صالِحَةً. لأنَّهُ إنْ وقَعَ أحَدُهُما يُقيمُهُ رَفيقُهُ. وويلٌ لمَنْ هو وحدَهُ إنْ وقَعَ، إذ ليس ثانٍ ليُقيمَهُ» (جا4: 9، 10)..
ولرقم إثنان دلالته، كما يكتب القدَّيس أغسطينوس مشيرًا إلى حبّ الإنسان الذي ينبغي أن يتوجّه إلى إثنين: الله والإنسان، فإعلان البشرى إنّما هو إعلان حبٍّ لله الذي حمّلنا إيّاها، وهو مغزاها، وللناس لينعموا هم أيضًا بها وبالتالي، بالشركة مع الله.
يعلّمنا الكتاب المقدّس لجهة أفضليّة عمل الإثنين على عمل الفرد، بتشبيهنا بأعضاء جسم الإنسان فالعين لا تقدر أن تقول لليد لا حاجة لي إليكِ، أو الرأس أيضًا للرجلين لا حاجة لي إليكما» (1كو 12: 14-21).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، معلومٌ ومختبَرٌ احتياج الإنسان إلى شخص آخر يشاركه همومه ومشاكله، أفراحه وتطلّعاته، لذا ينصحنا القدّيس يوحنّا فم الذهب بضرورة الصداقة الجيّدة:"ليكن أصحابك بالألف، وأصدقاؤك من الألف واحد". فإن أحسنت الاختيار فهذا يخفّف عنك متاعب الطريق".
"أرسلكم كالخراف بين الذئاب" (يو 14: 10). كون يسوع هو الراعي الصالح، فهو لا يخشى على تلاميذه ولو أرسلهم بين الذئاب لأنّه سيبذل نفسه عنهم إن أحاق بهم خطر، فلا يكونوا فريسة للذئاب إنّما كارزين للنعمة، متمّمين ما ائتمنهم عليه من رسالة.
والربّ يسوع أرسل السبعين كالحملان بين الذئاب ليتمّ ما قيل على لسان النبيّ أشعيا: "ويرعى الذئب مع الحمل" (أش 65: 27). المسيح هو الكلمة " كلمة الله" صار حَملاً لأجلنا، "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيَّة العالم" (يو 1: 29)، وأقامنا حِملانًا لنحمل سماته فينا، أي الوداعة، والتواضع، والمسالمة، والمحبّة حتّى بذل الذات...وهكذا، إن نحن ظللنا أمينين لمُرسِلِنا، تتحقّق فينا نبؤة أشعيا: "الذئب والحمل يرعيان معًا، والأسد يأكل التبن كالبقر..."
أختم وأقول إنّ اختيار الربّ للسبعين رسولًا إنّما أراد به أن يعطيَ العالم عيدًا جديدًا، فيه يقدِّم الرسل كذبائح حيَّة مقدَّسة مرضيَّة (رو 12: 1)، على مذبح الحبّ بإعلان البشارة للناس أجمعين. ولا ننسينَّ قطّ قول بولس الرسول: "الويل لي إلّم أبشّر" أي إلّم أكن رسولًا أمينًا على رسالةِ مُرسلي الإلهيّ.