خسرا 3 من أطفالهما والأمّ تغفر لقاتلهم!
هي صدمة استفاق عليها لبنان أمس الأحد، لا بل العالم أجمع. صدمة توجع القلب من صميمه، وتخطف الأنفاس من دون تردّد، وتجعل الدّموع تنسكب لا إراديًّا بخاصّة أمام دموع الوالدين دانيال عبدالله وزوجته ليلى جعجع.
هما خسرا ثلاثة من أطفالهما: أنطوني (13 عامًا)، أنجلينا (12 عامًا) وسيّينا (9 سنوات)، ومعهما ابنة قريبة زوجته فيرونيكا صقر (11 عامًا)، فيما يرقد في المستشفى وسط حالات مستقرّة الولد الرّابع للعائلة المفجوعة وإضافة إلى شقيقتي فيرونيكا.
وأمام هذه الفاجعة، يتلعثم لسانك وتتعثّر كلماتك ويخونك إحساسك ويضعف رجاؤك، ولكن جبروت الوالدين وإيمانهما القويّ أسقط كلّ الأقنعة وشكّل صدمة إيجابيّة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ. فبالإضافة إلى العلاقة القويّة الّتي ظهرت جليّة بين الوالدين وأطفالهما، سطع نور عظيم من عينيهما.
هما حملا أوجاعهما إلى مكان الحادثة وأفرغا مكنونات قلبيهما أمام صور أطفالهما، وسط دعم معنويّ كبير قدّمه لهما المئات من لبنانيّي الاغتراب ومن السّكّان المحلّيّين. هناك ركعا وحولهما القريب والبعيد يزرعون الأرض ورودًا وشموعًا. هناك وقفوا جميعًا تلوا معًا الصّلوات لراحة نفوس الملائكة الأربعة. هناك عانقت الأمّ أصدقاء أطفالها واشتمّت فيهم رائحتهم.
هناك كان المشهد مؤثّرًا، مشهد أضحى أكثر تأثيرًا حين وقفت الأمّ المفجوعة متماسكة أمام وسائل الإعلام بالرّغم من عصارة الألم، وقفت وفي يديها مسبحة الورديّة، مقدّمة للعالم أمثولة في الإيمان الجبّار الّذي لا تهزّه التّجارب ولا تقوى عليه شدّة.
في صوتها غصّة واضحة، وفي عينيها دموع لم تجفّ، ولكن في صوتها سلام كبير يعكسه إيمانها المسيحيّ، هذا الإيمان نفسه الّذي ربّت عليه أطفالها السّتّة، فأسرت العالم بموقفها، وتحديدًا موقفها من قاتل أطفالها إذ قالت: "أنا لا أكرهه، لا أريد رؤيته، لكنّني لا أكرهه، هذا ليس من شيمنا كمؤمنين بديننا وأريد مسامحته، لكن أيضًا أريد أن تأخذ العدالة مجراها."
نعم هي غفرت لقاتل أطفالها، تمامًا كما غفر المسيح لمن صلبوه. لم تنكر ليلى غرابة الموقف هذا، إلّا أنّه حقيقيّ ونابع من قلبها الّذي لم يصدّق بعد غياب أطفالها الثّلاثة، فهي لا تزال تشعر بهم يعانقونها.
لم تلُم الرّبّ على مأساتها، إلّا أنّها "حزينة ومكسورة القلب" ومع ذلك هي تشعر بالسّلام لأنّها تعلم بأنّ أولادها في مكان أفضل.
هذا الإيمان تربّت عليه ليلى، إيمان عزّزه تعلّقها بمسبحة الورديّة، وهو نفسه الّذي نقلته إلى أولادها، والّذي عكسته في تصريحها الإعلاميّ.
ومن دانيال عبدالله الّذي فقد بحسب تعبيره نصف أطفاله، والّذي ترجمت دموعه حنانًا كبيرًا، رسالتان وجّههما في وقت وجعه هذا: الأولى إلى السّائقين، فقال لهم: "من فضلكم، أيّها السّائقون، كونوا حذرين"؛ والثّانية إلى كلّ الآباء فقال: "أحبّوا أولادكم لأنّكم لا تعلمون ما الّذي قد يحدث".
أمام هذه الكارثة الإنسانيّة، نشبك الأيادي رافعين هؤلاء الملائكة الصّغار إلى الله فيجعلهم في ملكوته بين القدّيسين، وننحني أمام عظمة ألم العائلة ونصلّي ليزيد عائلاتنا إيمانًا وتسامحًا وسلامًا وقداسة ورجاء.