خَاطِرةٌ عَقائِديّةٌ حَول ميلادِ يَسُوع وتجسُّدِ الكَلِمة
ميلاد السيّد المسيح ليس مجرّد ميلاد طفل، فهو يشير إلى تجسُّد الأقنوم الثاني في ثالوث الله. كتب البابا يوحنّا بولس الثاني في هذا الصدد ما يلي: «ليس ميلاد يسوع المسيح في بيت لحم حدثًا من الأحداث التي يمكن أن يطويها الزمن، فأمامه يقوم التاريخ البشريّ بأسره، بحيث يستضيء بحضوره حاضرنا ومستقبل العالم. إنّه "الحيّ" (رؤ 1، 18)، "كائن وكان وسيأتي" (رؤ 1، 4). أمامه تجثو كلّ ركبة، في السماء وعلى الأرض وفي الجحيم، ويعلن كلّ لسان أنّه السيّد (فيل 2، 10 – 11). كلّ إنسان يلتقي بالمسيح يكتشف سرّ حياته. يسوع هو الجديد الحقيقيّ الذي يفوق انتظار البشريّة وسيبقى إلى الأبد، على تعاقب الحقب في التاريخ» ("سرّ التجسّد"، بند 1).
يكمن المعنى الأوّليّ والحرفيّ والتقليديّ للفظة اللاتينيّة "التجسُّد" (incarnatio) في أنّ اللوغُس، ابن الله، قد صار جسدًا (أي "تجسَّد")، وصار إنسانًا (أي "تأنَّس"). لقد اتّخذ اللوغُس جسدًا وطبيعة بشريّة حقيقيّة وكاملة، من دون أنْ يتخلّى عن كونه "الله"؛ ولم يكن خيالًا أو ناقصًا في أيّ أمر من الأمور البشريّة. إنّ الشخص المعروف باسم "يسُوع الناصريّ" هو في الوقت عينه إنسانٌ كامل وإلهٌ كامل؛ وقصّته وحياته هي قصّة ابن الله المتجسّد وحياته. في هذا السياق، يقول المجمعُ المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني: «ولمّا كان السيّد المسيح قد حمل طبيعة الإنسان من دون أن تتلاشى فيه، فقد ارتفعت بذلك الطبيعة الإنسانيّة فينا إلى كرامة لا تعادلها كرامة. فكأنّ ابن الله بتجسّده إنّما اتّحد هو نفسه بكلّ إنسان منّا. لقد استخدم يديْن بشريّتين وفكّر بعقل إنسانيّ وتصرّف بإرادة بشريّة وأحبّ بقلب بشريّ. إنّه بولادته من العذراء مريم أصبح في الحقيقة واحدًا منّا وشبيهًا بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة» (دستور راعويُّ "الكنيسة في العالم المعاصر"، بند 22).
ويؤكّد كتاب "التَّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة"، ولا سيّما البنود 461-463، المعنى الأوّليّ والحرفيّ والتقليديّ للفظة "التجسُّد"، أي اتّخاذ جسد ("التّجسُّد") وطبيعة بشريّة بأكملها ("التّأنُّس"). ويشرح هذه المسألة هكذا: «تعيد الكنيسة تعبير القدّيس يوحنا ("الكلمة صار جسدًا": يو 1:14) وتدعو "تجسّدًا" كون ابن الله اتّخذ طبيعة بشريّة لكي يحقّق فيها خلاصنا. في نشيد يثبته القدّيس بولس، تتغنّى الكنيسة بسرّ التجسّد "ليكن فيكم من الاستعدادات ما هو في المسيح يسوع: فإنّه، هو القائم في صورة الله، لم يعتدّ مساواته لله [حالة] مختلسة؛ بل لاشى ذاته، آخذًا صورة عبد، صائرًا شبيهًا بالبشر، فوُجد كإنسان في الهيئة. ووضع نفسه، وصار طائعًا حتّى الموت، [بل] موت الصليب!" (في 2: 5 ـ 8) [...] الإيمان بالتجسّد الحقيقيّ لابن الله هو العلامة المميّزة للإيمان المسيحيّ: "بهذا تعرفون روح الله: إنّ كلّ روح يعترف بأنّ يسوع المسيح قد أتى في الجسد هو من الله" (1 يو 4: 2). ذلك هو يقين الكنيسة البهيج منذ البدء، عندما تتغنّى "بسرّ التقوى العظيم": "الله ظهر في الجسد" (1 تيموثاوس 3: 16)» (بندان 461 و463).
ويقدّم لنا البابا فرنسيس هذه النصيحة: «لكي يولد يسوع فينا، لنهيّئ قلبنا: لنذهب فنصلّي. لن نسمح لروح الاستهلاك بأن "يسيّرنا": "عليَّ أن أشتري الهدايا، عليَّ أن أصنع هذا وهذا...". ذاك "الهيجان" للقيام بأشياء كثيرة... المهمّ هو يسوع. أيّها الإخوة والأخوات، لقد اختطفت الاستهلاكيّة منّا عيد الميلاد. ليس هناك من استهلاكيّة في مذود بيت لحم: بل فيه الحقيقة، والفقر، والحبّ. لنحضّر قلبنا كما فعلت مريم: ليكن حرًّا من كلّ شرّ، ومضيافًا ومستعدًّا لاستقبال الله« (صلاة التبشير الملائكيّ، الأحد 20 ديسمبر/ كانون الأوّل 2020).