ثقافة ومجتمع
23 تموز 2019, 07:00

خاصّ- موت... "رحيم"؟!

ريتا كرم
معلّق بين الحياة والموت، قلبه يخفق يحاول أن ينعش جسده علّه يسلم ويعود إلى الحركة. وآخر دماغه يأبى أن يستفيق من غفوته، فتراه غارقًا في نوم عميق؛ وحدها جدران الغرفة تسمع نفَسَه الّذي بات اصطناعيًّا والآلات الطّبّيّة تقيس نبضاته وتراقب تطوّرات عقله وجسمه المريض والمتألّم. وغيره يئنّ وجعًا وجرعات الدّواء باتت لا تقيه الألم ولا تُبرأه.

 

وفي كلّ تلك الحالات، عائلة وأصدقاء يصلّون ويتضرّعون في الخارج، منتظرين بصيص أمل يطرق بابهم فيبشّرهم بيقظة خير. لكن مع فقدان ذاك الاحتمال بإمكانيّة النّجاة، يُطلق الطّبيب المعالج رصاصة "الرّحمة" ضمن إطار ما يُعرف بـ"الموت الرّحيم" لأجل وضع حدّ لعذابات المريض الّذي يطلب هو نفسه أحيانًا أن يسرّع النّهاية تجنّبًا لكلّ تلك الآلام؛ مع اللّجواء أحيانًا إلى "الموت السّريريّ" الّذي يمنع تعذيب المريض المحتضَر واستعمال أيّة أدوية لن تجديه نفعًا.

ومع أنّ بلدانًا شرّعت هذا الفعل مثل هولندا (2001) وبلجيكا (2002)- علمًا أنّ الحقّ بالحياة مقدّس في كلّ الدّيانات السّماويّة- غير أنّ بلدان أخرى لم تعطه الضّوء الأخضر، ومن بينهم لبنان. فالقتل جريمة لا رحمة فيه أيًّا كان نوعه، تنفيذه أو تشجيعه هو بمثابة مشاركة في ارتكابها. لذا يعاقب القانون اللّبنانيّ، وبحسب المادّة 552 من قانون العقوبات اللّبنانيّ، "بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناء على إلحاحه في الطّلب".

ولكن ما رأي الكنيسة في "الموت الرّحيم"؟

باتّصال مع الأب ميشال عبّود الكرمليّ مع موقع "نورنيوز" أشار إلى أنّ "القتل الرّحيم"، أو الموت الرّحيم، او ما يُعرف بـ"الأوتنازيا"، مرفوض من الكنيسة لأنّه يتعارض مع تعليم الكتاب المقدّس. فتعليم الكنيسة الكاثوليكيّة واضح في قوله: إنّ الدّفع باتّجاه الموت المباشر يخالف دائمًا الوصيّة القائلة: "لا تقتل". فالحياة هي هبة من الله، ولا يحقّ لأيّ إنسان أن يسلبها من آخر. لذلك لا يحقّ لأيّ إنسان، كائن من يكون أن يضع حدًّا لحياة إنسان آخر، حتّى لو كان في حالة النّزاع أو المرض العضال، حتّى لو كان المريض قد طلب هذا في وصيّة سابقة أو حاضرة. فالمستهدف بالموت الرّحيم هم من يحملون في أجسادهم الألم الكبير، أو هم في حالة نزاع، فيصبحون بذلك غير مرغوب بهم في هذا المجتمع، وهذا يتعارض مع تعاليم يسوع الّذي يدعونا إلى الاهتمام بالضّعفاء والصّغار".

وأوضح الأب عبّود أنّ الكنيسة "توصي بكلّ علاج أو دواء من هدفه تخفيف الألم عن المريض، ولكن من دون أن يكون الموت بواسطة هذه الوسائل غرضًا أو غاية. فالمريض يجب أن يموت بين أيدي أحبّائه وليس على أيديهم".

أين "الرّحمة" في "القتل" إذًا؟ أين ثقتنا بالله القادر على كلّ شيء حتّى على الشّفاء في أكثر الحالات صعوبة وخطورة؟ فصحيح أنّه وسط العاصفة تلك، ربّما تختلجنا مشاعر الضّعف والاستسلام، لكن لنتذكّر دائمًا أنّ الرّبّ هو من منحنا  الحياة، وهو وحده يقرّر متى ينهي مسيرتها على هذه الأرض. فلتكن إذًا حياتنا شهادة لرحمته الواسعة، ولنسلّم حياتنا وحياة كلّ من ينازع إليه وحده لأنّه هو الآمر والنّاهي في كلّ القضايا.