دينيّة
08 آذار 2020, 08:00

خاصّ- "من لمسني؟"

غلوريا بو خليل
"تُعلّمنا أمّنا الكنيسة في هذا الأحد المبارك، أنّ آية شفاء النّازفة للقدّيس لوقا (لو 8/40-48)، هي امتداد للأحد الماضي عن شفاء الأبرص. فسفر الأحبار 15، يعتبر أنّ كلّ نزف دم هو نجاسة، كم بالحريّ إذا كان نزفٌ دائم؛ فهو نجاسة وخطيئة! فواقع هذه المرأة لا تُحسد عليه، فهي مع فقدان دمها، فقدت مالها وصحّتها وكرامتها لدرجة اليأس! لذلك، اضطّرها الأمر لتنسلّ خلسة بين الجموع وتلمس طرف ثوب يسوع والأبرص، تعدّت الشّريعة بدافع إيمانها فشُفيت واستعادت كرامتها ودورها.". بهذه المقدّمة استهلّ كاهن رعيّة مار سمعان العمودي في القليعات الخوري يوسف مبارك تأمّله لموقعنا في الأسبوع الثّالث من الصّوم.

وتابع موضحًا: "هذه الآية هي رمز لنزف المرأة في كرامتها، ولنا في هذا السّياق توجيهات كنسيّة عبر الرّسائل البابويّة للقدّيس يوحنّا بولس الثّاني عام 1995 رسالة إلى النّساء والإباحيّة والعنف في وسائل الإعلام، وثيقة للمجلس الحبريّ لوسائل الإعلام 1989، حيث ندّدت الكنيسة بكلّ ما ينتهك كرامة المرأة من جرّاء عيشها للخطيئة في الإباحيّة وامتهان الدّعارة... أم بفعل خارج عنها: مجتمع غائب عنه القانون لحفظ كرامة وأخلاقيّة الإنسان، يُعادله وسائل الإعلان والتّواصل الاجتماعيّ حيث فلتانه وحرّيته الإنفلاشيّة مباحة الحدود...  بدون رادع خلقيّ. إنّها خطيئة ضدّ الله وضدّ قدسيّة الجسد الذي بفعل الفداء والتّجسّد أصبح عضوًا لجسد المسيح، وبالتّالي نسف لفضيلة الطّهارة إذ أنّ هذا الجسد ذكر وأنثى هو هيكل الرّوح القدس."

وعن آية "لمست طرف ردائه فوقف نزف دمها"، قال كاهن رعيّة مار سمعان: "بالإيمان بيسوع واللّجوء إليه ننال الشّفاء، الإيمان بكلامه وأفعاله، هو الآتي جاء يشفي جرح النّاس ويرمّم صورته التي تشوّهت، ونحن اليوم الذين نلمسه بالافخارستيّا في القربان ونلمس رحمته في سرّ التّوبة والاعتراف وفي سرّ مسحة المرضى، هل نشعر ونؤمن بما كشفه يسوع للنّازفة لمّا سأل "من لمسني؟"، وبالجواب "إيمانك شفاك إذهبي بسلام"، لمسة تُعيد للمرأة ولكلّ إنسان مثل النّازفة، كرامتنا إنسانيًّا واجتماعيًّا وشرعيًّا... نعم، إنّها رفعة من المستوى التّرابيّ إلى مستوى الكرامة الإلهيّة فيتّحد هذا الفاسد بالحياة الأبديّة في إثنين الرّماد حين يقول الكاهن للمؤمن: "أذكر إنّك تراب وإلى التّراب تعود"، ووقت المناولة المقدّسة يقول له "جسد المسيح للحياة الأبديّة"."

وأضاف كاهن رعيّة القليعات: "العالم ينزف اليوم منذ أن بدأ يعتبر الإنسان نفسه هو بقدرة العلم والتّقدّم التّقنيّ قادر على تحرير ذاته على كلّ الصُّعد، وأهمل وصيّة "إحفظ يوم الرّبّ"، فأصبحت رعايانا تنزف من شدّة التّحدّي لاجتذاب العيلة إلى الحياة الرّعويّة الرّوحيّة وذلك بسبب الرّوح الاستهلاكيّة السّائدة، على سبيل المثال لا الحصر:

· عنّا درس... وكأنّ التّحصيل العلميّ وحده كافٍ.

· التّربية الجنسيّة: شريعة "فالت الملق" بكسر النّظام الطّبيعيّ للزّواج، وأخلاق الأمم طارت.

· الذّهنيّة السّطحيّة المتعلّقة بالواجبات الاجتماعيّة والإلتزام الوطنيّ وبمسؤولين "قياصرة" معتبرين أنفسهم أنصاف آلهة، وبتبعية عمياء..."

وإختتم الخوري مبارك حديثه مصلّيًا متضرّعًا: "ربّي يا من ضمّدت بحبّك وبقوّة روحك جراحنا، يا من بذلت ذاتك لأجلنا، أشرق في نفوسنا الإيمان والرّجاء على مثال تلك النّازفة فتُشفى الضّمائر ويحلّ السّلام والفرح الحقيقيّ في عيالنا ومجتمعنا. لك الشّكر والمجد إلى الأبد."