خاصّ- ما جديد ملفّ قداسة كاهن سرعل الخوري يوسف أبي مارون معتوق؟
إنّه الخوري يوسف أبي مارون معتوق، من مواليد سرعل في 11 أيّار/ مايو 1847. وُلد وعاش في عائلة تقيّة زرعت في أعماقه ركائز الإيمان المسيحيّ الّتي بات لها رسولاً من خلال نيله سرّ الكهنوت في كرسيّ الدّيمان عام 1874، سرّ قرنه بالزّواج المقدّس الّذي أثمر صبيًّا وفتاة، فكان الأب الصّالح في بيته ورعيّته سرعل الّتي خدمها منذ سنة 1900 حتّى وفاته عام 1929، بكلّ محبّة وغيرة واندفاع وتواضع وصبر، مكرّمًا مريم العذراء تكريمًا خاصًّا وفق ما يخبر عنه كاهن رعيّة مار ميخائيل- سرعل الأب مارون بشارة في حديث خاصّ لموقع "نورنيوز" الإخباريّ.
كان "الخوري القدّيس"، كما يناديه أبناء بلدته، يلقى تقديرًا من جميع النّاس خلال حياته، فكان قدوة في خدمته الرّسوليّة والكهنوتيّة وحياته الرّوحانيّة. ببساطة كان يرى فيه النّاس صورة مختلفة عن سائر كهنة عصره.
هذا الانطباع بدت نتائجه جليّة بعد موته من خلال علامات حسّيّة. ويخبر الأب بشارة عن الحادثة الّتي فتّحت العيون على ظاهرة الخوري يوسف أبي مارون معتوق. إذ عام 1938، وفيما توجّه أهالي البلدة إلى مقبرة الكهنة الملاصقة للكنيسة، لأجل دفن كاهن آخر، وإذا بهم يتفاجأون بالكاهن القدّيس لا يزال جالسًا في مكانه وهندامه عليه، يمسك مسبحة الصّلاة بين أصابيعه، وجسمه جافّ غير متفكّك، عظامه مترابطة، ولم يصبه العفن بالرّغم من مرور ما يقارب العشر سنوات. هذه المفاجأة كانت الأولى الّتي تشير إلى استثنائيّة هذا الكاهن، أمّا الثّانية فكانت متزامنة مع عمليّة فتح المقبرة يومها، إذ تواجد في المكان رجل من بلدة مزرعة النّهر المجاورة فرمى مزحة ثقيلة مستهزئًا من جسم الخوري يوسف "الحيّ"، فعاد إلى منزله وعانى من ألم في يديه ورجليه، وأصابه شبه شلل فأنّبه ضميره، ولجأ إلى مدفن الكاهن البارّ وهو يدبدب على طول 2 كلم تائبًا عن إهانته، فاستعاد عافيته. وذكر الأب بشارة أنّه وفي التّاريخ نفسه كانت عوارض المرض تعاود إبن بلدة مزرعة النّهر لساعات معدودة مذكّرة إيّاه بتلك الحادثة الّتي شكّلت المفاجأة الثّانية لأهالي سرعل وأضحت من العلامات الحسّيّة الّتي حصلت، وكرّت معها سبحة النّعم الّتي أفاضها على طالبيها من عليائه.
قصّة الخوري القدّيس انتشرت كسرعة البرق بين أهالي البلدة والجوار، فتناقلتها الألسن من شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، وها هي اليوم تعود إلى الواجهة بالرّغم من مرور 90 سنة على وفاته. هي تعود ومعها ملايين التّضرّعات والصّلوات لكي يتحرّك ملفّ تقديسه الرّابض في مطرانيّة طرابلس المارونيّة بانتظار تعيين لجنة كهنوتيّة للمتابعة بعد حدوث عجيبة كبيرة تسرّع التّحقيقات وفقًا للقانون الكنسيّ، بحسب تصريح كاهن الرّعيّة الحاليّ.
واليوم، بالرّغم من المسافة البعيدة الّتي تفصل سرعل عن نبض العاصمة، يقصد الكنيسة مؤمنون من المناطق اللّبنانيّة كافّة، وحتّى باتت مقصدًا للحجّاج من مختلف بلدان العالم وبالآلاف. ولا تزال الابتهالات تُرفع من أمام ضريحه الموجود في بيت زجاجيّ في كابيلا شُيّدت بجانب الكنيسة بإذن من مطران الأبرشيّة السّابق يوحنّا فؤاد الحاج خلافًا للقوانين، إذ حين تفوح رائحة قداسة شخص ما يُقفل عليه بالشّمع الأحمر، ولكن بإلهام إلهيّ أعطى المطران الإذن بزيارة القدّيس في مزاره، وهو لا يزال يسمع مبلسمًا الجسد والرّوح في آن واحد.
ولفت الأب بشارة إلى أنّ الرّعيّة ترفع الصّلاة لله لطلب مجد إظهار قداسته كلّ عام خلال تساعيّة مار ميخائيل الّذي يُحتفل بعيده في 8 ت2/ نوفمبر، والّذي يتزامن احتفالاته مع ذكرى وفاة الخوري القدّيس. كما تخصّص الرّعيّة قدّاسًا لكاهنها في ذكرى مولده في 11 أيّار/ مايو من كلّ عام.
الخوري يوسف غزيرة كانت نعمه ولا تزال، ولعلّ الأعاجيب الّتي يُتداول بها منذ القديم لغاية أيّامنا هي خير دليل على امتياز هذا الكاهن العفيف، ونقاوة سيرته. ولكن أعجوبة حديثة برزت في السّاحة، ومن الممكن أن يعوَّل عليها في التّحقيق الأبرشيّ لأجل التّقدّم في ملفّ تقديسه.
ويخبر الأب بشارة أنّ الأعجوبة هذه حصلت مع مازن صليبا شحيبر المقيم في كندا. وكان الأخير يشكو من ورم في الرّئة منذ آذار/ مارس 2000، ورم عجز الأطبّاء في كندا عن شفائه أو التّخفيف من حدّته. هذا المرض كان يقسو على مازن من حين لآخر، فيعاني نتيجته آلامًا مبرحة أدخلته المستشفى مرّات عديدة حيث كان يمكث طويلاً، ما يقارب الشّهر والنّصف، آلام جعلته يتناول أدوية مسكّنة بشكل دائم.
وفي أيّار/ مايو 2002، قاده قلبه إلى لبنان، بلده الأمّ، وعلى مستشفياته جال طالبًا الشّفاء وإنّما من دون جدوى، فلجأ حينها إلى أطبّاء السّماء، وسأل قدّيسي لبنان شفاعتهم.
لم تبخل السّماء عليه، بل منحته نعمة الشّفاء من الكاهن القدّيس الّذي لم يكن يدرك مازن وجوده أصلاً، ولم يسمع به قطّ.
وفي التّفاصيل، نظّم أحد أقرباء مازن جولة سياحيّة إلى عيون أرغش في أعالي الأرز، فسلكا طريق سرعل وإهدن، وهناك تعطّلت سيّارتهما فجأة من دون أيّ مبرّر ميكانيكيّ. وفيما كانا ينتظران الفرج، شاهد القريبان كنيسة مار ميخائيل الأثريّة في سرعل عن بعد، فأدهشا لضخامتها ولوقوعها في وسط بلدة صغيرة، فأخبرهما الميكانيكيّ حينها عن الكاهن القدّيس.
لم يغادر مازن أرض سرعل من دون أن يتوقّف أمام ضريح الخوري يوسف ويصلّي بحرارة. هناك شعر مازن أثناء الصّلاة بألم شديد وكأنّ شيئًا حادًّا يخترق رئتيه؛ إلّا أنّه في المساء اختفى الألم إلى دون رجعة.
وقبل سفره إلى كندا، عاد إلى سرعل ليشكر الخوري القدّيس، وهناك فجّر مفاجأته! هو لم يصلّ من أجل شفائه بل من أجل شفاء ابنته ترايسي الّتي كانت تبلغ وقتها السّبع سنوات، والّتي كانت تعاني من مرض القلب منذ ولادتها.
عاد مازن إلى كندا، وهناك كانت المفاجأة مضاعفة: زار مازن طبيبه د. جون كيموف وأجرى صورة بالأشعّة، فاكتشف أنّ عمليّة جراحيّة أجريت له في الرّئة وأنّ الورم تمّ استئصاله، وأنّ القطب الموجودة تدلّ على ذلك! فما كان من مازن إلّا أن قصّ على مسامع طبيبه ما حصل معه في كنيسة سرعل.
د. كيموف الّذي احتار أمام هذه الحادثة، أقرّ يومها أنّه مسيحيّ وإنّما غير مؤمن، إلّا أنّ ما حصل مع مازن هو "أمر غير عاديّ من الوجهة الطّبّيّة"، وبينما كان مازن يسرد على مسامعه قصّته، كان الطّبيب يسمع أصوات قرع أجراس، وكأنّ رحمة السّماء غمرته أيضًا في تلك اللّحظة.
مازن الّذي قصد الكنيسة وصلّى بحرارة أمام ضريح الكاهن القدّيس من أجل شفاء ابنته، نال هو الشّفاء، وأكرمه الخوري يوسف أبي مارون معتوق بنعمة شفاء ابنته ترايسي أيضًا من مرضها، فحلّت النّعمة مضاعفة.
واليوم، أمام هذا القدّيس الصّامد منذ 90 سنة في كنيسة سرعل الأثريّة، وأمام صمت ذاك المكان المقدّس، ورهبة قدّيس البلدة البارّ، نسأل مع كاهن الرّعيّة الأب مارون بشارة شفاعة الخوري يوسف أبي مارون معتوق وصلاته، هو من حمل كهنوت المسيح "الأعجوبة الدّائمة"، ونصلّي من أجل أن تعلنه الكنيسة قدّيسًا جديدًا من أرض لبنان المباركة، وأوّل كاهن متزوّج في تاريخ الكنيسة المارونيّة.