دينيّة
20 تشرين الأول 2019, 07:00

خاصّ- ماذا يعلّمنا الرّبّ من خلال مثل الوزنات؟

"إنجيل هذا الأحد هو إنجيل الوزنات للقدّيس متّى (25/ 14 - 30). ماذا يعلّمني فيه الرّبّ يسوع؟". بهذا السّؤال استهلّ رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ شرحه لإنجيل اليوم في الأحد السّادس بعد عيد الصّليب لموقعنا.

وتابع قائلًا: "يُشبه ملكوت السّماوات رجلًا أراد السّفر فقرّر أن يسلّم عبيده كلّ أمواله. غريب أمر هذا الرّجل، لم يُبقِ شيئًا له من أمواله، غامر بكلّ ما له. ومع من كانت المغامرة ؟! مع عبيده الذين اشتراهم بالأساس بهذا المال نفسه. كان العبد قديمًا يُشترى ويُباع، لا أهميّة له ولا قيمة سوى ما يقوم أو ما يُفرض عليه من أعمال."

وأكمل: "ملكوت الله هو هذا الرّجل الذي اسمه يسوع، الذي اشترانا بثمن دمه على الصّليب ورفعنا من منزلة العبيد فاقدي الحرّيّة والكرامة، إلى مرتبة الأصدقاء عارفين بكلّ أسرار الملكوت.

نعم، لقد سلّم يسوع تلاميذه كلّ ما له… يقول القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني حول هذا الموضوع: "لقد غامر يسوع مغامرة لا رجوع عنها عندما سلّم ذاته، جسده لأُناس ضعاف خطأة، أمثالنا، في هذا العالم ليكملوا رسالته الخلاصيّة".

هذا الرّجل سافر لزمن طويل: أعطى عبيده ثقة كبيرة، ومنحهم الوقت الكافي للعمل والمتاجرة بالوزنات. إعتبرهم أسياد ماله. إبتعد عنهم ليقوموا كأناس أحرار في تفعيل هذا المال. وثقَ بهم وأحبّهم.

ملكوت الله هو يسوع الذي ينظر إلينا ويحبّنا. ملكوت الله، هو هذا الزّمن الطّويل الذي نفعِّل، فينا وحولنا، نظرة الحبّ التيّ تغيّر وتبني وتدفع نحو الأمام.

ما سرّ نجاح الأوّل والثّاني وفشل الثالث؟ بكلّ بساطة هي الطّريقة التي تعامل بها كلّ واحد منهم بمال سيّدهم. ويظهر ذلك جليًّا في كلام العبد الثّالث حينما يقول لسيّده عند تأدية الحساب: "فها هو ما لَكَ!". لم يشعر يومًا بأنّ هذا "المال" ماله. ظلّ غريبًا عنه. لم يدخل بصداقة وحبّ. بقي يشعر بحالة العبد التي لا ترتقى إلى مستوى اتّخاذ القرار الحرّ والجّريء والذّهاب بالمغامرة طيلة الوقت المتاح له. لم يكسر قيود عبوديّته. لم يَرَ في سَيِّدِه سوى هذا الخوف الذي لا يعيشه إِلَّا فاقد الانتماء والاستقرار والشّعور بأنّه في بيته. حتّى أنّه لا يُبدي أيّة إشارة من الشّكر والامتنان تجاه سَيِّدِه: مباشرة "هذا ما لَكَ"، وكأنّ حِملًا ثقيلًا على كتفه وحان وقت إنزاله.

بينما الأوّل والثّاني يتحدّثان مع سيّدهما، عمّا قاما به، بثقة وارتياح وبشعور مَن هم أبناء البيت وأصحابه فيقول كلّ واحد "لقد سلّمتني…". أيّ لقد وثقتَ بي وأنا تفاعلت بفرح وجدّيّة مع هذه الثّقة وأعيد إليكَ ما ربحتُه… كما منحتَني كلّ ما لَكَ لأنّك وثقتَ وأحببتَني، أنا أعيد لَكَ كل ما هو لي لأنّه لَكَ، ولأنّي أثق بكَ وأحبّك…".

وإختتم متأمّلًا: "أخيرًا… ملكوت الله، هو هذه المجّانيّة من الرّبّ يسوع بعطاياه والتّفاعل معها بمجّانيّة حتّى اللّقاء الأخير معه، أمين".