دينيّة
27 حزيران 2021, 07:00

خاصّ– كرم: من أين تأتي شجاعة المرسلين؟

غلوريا بو خليل
الحكمة والوداعة هما الفضيلاتان الأساسيّتان لكلّ رسول مرسل من الرّبّ. هما نعمة الرّوح القدس للمضيّ قدمًا في رسالة المحبّة، وكلّ معمّد منّا مدعوّ لهذه الرّسالة. وفيما يشهد العالم ما يشهده من شرور، يأتي إنجيل القدّيس متّى "إرسال الرّسل" (10: 16-25) في الأحد السّادس من زمن العنصرة ليؤكّد لنا أنّ لا خوف علينا من كلّ ما يحصل طالما لدينا هاتان الفضيلتان، فبهما نتخطّى كلّ العقبات ونجذب الخير متحدّين الشّرّ. ولتأكيد كلّ ما سبق وذكرناه ولتوضيحه، كان لنا حديث روحيّ مع كاهن رعيّة بشلّلي في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري روجيه كرم.

إستهلّ الخوري كرم كلامه بالقول: "ها أنا مرسلكم: المرسلون لن يكونوا فقط غير مقبولين ومرفوضين، ولكنّ المرسلين أيضًا سيسلّمون إلى قساوة الذّئاب. إذًا يسوع فعلاً هو من يرسل، فهو يؤمّن العون لمرسليه، لكن بشرط على المرسلين أن يحفظوا نفوسهم من كلّ اعتداد وانحراف، وأن يسيروا في خطّ تعليم الكنيسة، لذلك عليهم أن يتحلّوا بفطنة الحياة وحكمتها، وبوداعة الحمام ونقاء القلب.

ويتابع النّصّ ويقول "إحذروا النّاس!"، هنا الرّبّ يدعونا لكي نحذر ليس من جميع النّاس بل من الغرباء عن الإيمان، لأنّ تعليم الرّبّ يزعجهم ويفضح أفكارهم وعاداتهم. لذلك سوف يقاومون المرسل ويهاجمونه ويركّبون له المكائد. كما رأينا كيف ضمروا الموت وحقّقوا رغبتهم في اضطهاد إسطفانوس ويعقوب، وهناك الجلد كما حصل للرّسل وخرجوا فرحين لأنّهم استحقّوا أن يهانوا من أجل كلمة الرّبّ."

وإستنتج متابعًا: "إذًا في وقفة الرّسل أمام القضاة سوف يؤدّون الشّهادة للرّبّ طالبين من القضاة أن يؤمنوا بالرّبّ يسوع. رأينا وقفة الرّسل أمام قضاة العالم اليهوديّ والوثنيّ، وبمثولهم أمامهم لم يكونوا خائفين من الإدانة ولكنّهم كانوا يشهدون للرّبّ ويعلنون الإنجيل للقضاة؛ كما حدث لبولس في سجن فيليبّي، كانت صلاته وتسابيحه تعليمًا للسّجناء وكان يحضّر السّجّان لكي يعتمد هو وأهل بيته وقد آمنوا بالرّبّ يسوع. وكما رأينا، كان الرّسل في اضطهادهم يشهدون للرّبّ وما كانوا يدافعون عن أنفسهم أو يتوجّعون على ذاتهم، بل كانوا يشهدون بجرأة حتّى اعتمد السّجّان هو وأهل بيته. وكان بولس في حضرة الملك أغريبا والوالي فستوس يشرح قضيّته. بدأ يعظ الوالي الرّومانيّ وقال له: أتؤمن بالأنبياء الّذين نؤمن بهم؟ ليجيب الملك أغريبا: "أتريد أن تجعل منّي مسيحيًّا؟" فيجيبه بولس: "نعم هذا ما أرجوه من الله"... نقرأ هذا في أعمال الرّسل.

أرسل اليهود عسكرًا لكي يقبضوا على يسوع لكنّها كانت مناسبة للعسكر كي يستمعوا إلى كلام الرّبّ يسوع فقالوا: "لم يتكلّم قطّ إنسانٌ هكذا مثل هذا الإنسان!." (يوحنا 7: 46).

يقول بولس الرّسول "إنّ المسيح يسوع شهد أحسن شهادة لدى بيلاطس البنطيّ" (١تيموثاوس 6: 13). كان يسوع عند بيلاطس البنطيّ يشهد، والرّسل ساروا على نفس خطى الرّبّ يسوع أمام المجلس والقضاة. شجاعة الرّسل أمام الولاة هي أكبر شهادة من خلالها نتأكّد من أنّهم كانوا فعلاً مشرّعين قلوبهم للرّوح القدس، ونسأل من أين تأتي شجاعة المرسلين؟ هل يا ترى من ذاتهم؟ كلا بل من الرّوح القدس الّذي أرسله الله. قال لهم الرّبّ يسوع "لا تبرحوا أورشليم قبل أن تنسكب عليكم قوّةً من السّماء!" أعطاهم القوّة والشّجاعة حتّى أعطاهم الفصاحة والبلاغة لكي تكون لهم الغلبة والقناعة. لم يكونوا خائفين في وقفتهم أمام الولاة، بل مرتاحين وأقوياء وأشدّاء. أعطاهم الرّبّ لغة البلاغة والفصاحة ودعمة الرّوح القدس."

وإستخلص حديثه بالقول: "هذا هو وضع المرسل، ليس لوحده في مواجهة الاضطهاد بل الرّوح القدس معه. الرّبّ يقول لنا "سأرسل إليكم المحامي المؤيّد المشجّع؛ هذا هو البارقليط".

إذاً المؤمن إخوتي الأحبّة ليس لوحده بل هو مدعوم من الرّبّ، الرّبّ بقربه وبجانبه. ونحن كلّنا تلاميذ الرّبّ مدعوّون للشّهادة للرّبّ يسوع وسط المعارضات والمعاكسات الّذي يتلقّاها في المجتمع. قال لنا الرّبّ "أعداء الرّجل أهل بيته"."

وبعبرة للعيش وتوجيه أبويّ اختتم الخوري كرم قائلًا: "كلّنا مدعوّون كمؤمنين إلى الشّهادة هل نؤدّي هذه الشّهادة في حياتنا؟ هل نؤدّي هذه الشّهادة بأعمالنا أو بأقوالنا؟ هل أمام الصّعوبات والمعاكسات والاضطهادات نقف بشجاعة كبيرة وثقة بالرّوح القدس الّذي هو واقفٌ بقربنا دائمًا، هل أكتشف عمل يسوع الخفيّ وغير المنظور الّذي احتجب في السّماء بصعوده لكنّه حاضرٌ في البشر؟ هل يا ترى نستمدّ المعونة بحضوره الإله الخفيّ؟ هل أطلب الرّوح القدس الّذي يذكّرني بكلام الرّبّ ويعلّمني ويفقّهني لأكون نورًا للعالم. هل أنا فعلاً النّور الموضوع على المنارة حتّى يشعّ نور الكلمة على الكون بأكمله؟"