دينيّة
02 أيار 2021, 07:00

خاصّ– عون: النّور أقوى من الظّلام والقيامة أقوى من الموت

غلوريا بو خليل
المحبّة هي أساس حياتنا المسيحيّة التي لطالما أوصانا بها يسوع، المحبّة اللّامتناهية على غرار محبّته لنا ببذل الذّات والرّعاية والسّهر. كلّنا نتطلّع إلى هذه المحبّة الخالصة المتفانية عند الآخرين ونسعى جاهدين أن نعيشها مع أحبّائنا. فلو سادة المحبّة في العالم لانتصرنا على الشّرّ والشّرير. ليتنا نعيد حساباتنا ونعود لإنجيلنا المقدّس نغبّ منه ونتعلّم أن نعيش هذه الحياة بمحبّة وبسلام وبطمأنينة. وخير دليل على ذلك الحوار الاستثنائيّ بين يسوع وبطرس عن المحبّة قبل تسليمه الرّعاية بحسب إنجيل اليوم للقدّيس يوحنّا (21/ 15 – 19). من هنا، كان لموقعنا حديث روحيّ مع معاون خادم رعيّة مارت تقلا - الحازميّة الخوري بيو عون الذي استفاض شارحًا قائلًا:

"في الأحد الخامس من زمن القيامة نتأمّل مع أمّنا الكنيسة كيف أنّ يسوع يسلّم الرّعاية إلى بطرس. إنّ هذا التّسليم يبقى دائمًا بفعلٍ مستمرّ وليس ماضيًا لأنّ الرّبّ يضع يده كلّ يوم في الرّعاية، فالرّاعي الصّالح يُسَلِّم الرّعاية لبطرس اليوم أيضًا ويُسَلِّمَهُ مفاتيح الملكوت.

مع كلّ سيامة كهنوتيّة وأسقفِيّة، نصغي إلى هذا النّصّ المليء بالرّعاية للحملان والنّعاج والخراف، ويلاحظ الشّخص الذي تتمّ سيامته كم هو محبوبٌ من الرّبّ وكم أنّ الرّبّ يتّكِلُ عليه لرعاية البيعة. ولكن هذا النّصّ موجّه أيضًا لكلّ إنسان معمّد يوكله الرّبّ رعاية ذاته ورعاية حياة الآخرين."

وسأل: "لماذا الرّعاية ثمرة الحبّ؟ وأين نجد مفاتيح الرّاعي؟"، ليجيب:

"أوّلًا : الرّعاية ثمرة الحُبّ

"أتحبُّني أكثر مِمّا يُحِبّني هؤلاء؟"، سؤال إذا أردنا أن نطرحه على شخص، فغالبًا لا نجد جوابًا إيجابيًّا أكيدًا بين البشر إلّا إذا طرحناه على أمِّنا أو أبينا، على شخص نتأكّد من أنّه يحبّنا لكي لا يفاجئنا بنكرانه لهذا الحبّ.

ولكنّنا نجد اليوم يسوع يطرح هذا السّؤال على شخصٍ ليس أمَّه ولا أباه. فهو الذي قال:"أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا"(لو 8، 21)، وكأن الرّبّ يقول لنا اليوم أنّه يراهن على أنّ بطرس سيسمع كلمة الله ويعمل بها.

دعونا اليوم لا نسأل أنفسنا كم نحبّ يسوع، بل كم هو يحبُّنا. لقد أعطانا الحياة الأرضيّة وأنعم علينا بحياةٍ أبديّة. لقد أعطانا ذاته لننال ملء الحياة. "لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ." (1كور 15، 22). فالمسيح القائم من بين الأموات هو الحبّ الذي يعطي الرّعاية. هو الإله الذي يعطينا المعنى لحياتنا ولحياة الآخرين، والمعنى لرعاية حياتنا وحياة الآخرين.

ثانيًا : مفاتيح الرّاعي

سلّم ربنا يسوع المسيح مفاتيح الملكوت لبطرس، لأنّ هذه المفاتيح سيستعملها لإدخال القطيع إلى الملكوت. ولكن لماذا سلّمه مفاتيح وليس مفتاح الملكوت؟ هل هناك أبواب للملكوت؟

"أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى" (يو 10، 9). ها إنّ الرّبّ يوضح لنا أنّه هو الباب وأنّ الملكوت يبقى واحدًا والبابَ واحدًا. نجد كلمة مفاتيح بالجمع، لأنّ ملكوت السّموات ليس فقط في السّماء فهو يخترق الكون والقلوب."

واسترسل قائلًاً: "دعونا نستكشف سويًّا جزءًا من المفاتيح التي بين أيدينا اليوم. فمفتاح المنزل يمكنه أن يكون لنا مفتاح ملكوت، حيث أنّنا نلتقي مع أحبّائنا ونجتمع سويًّا للصّلاة. مفتاح السّيّارة يمكنه أن يكون لنا مفتاح ملكوت، عندما نقود السّيّارة بفرحٍ ونتأمّل جمال الطّبيعة واليوم الجميل بالرّغم من زحمة السّير والحرارة العالية أو الطّقس البارد. مفتاح العمل يمكنه أن يكون من مفاتيح الملكوت. فعندما ألتقي بزملائي وأتعاون معهم وأعمل لبنيان الإنسان من خلال عملي أعيش الملكوت في عملي وانتاجيّتي. وكما الملكوت يخترق الكون فهو قادر أن يخترق القلوب. فمفتاح قلبي يمكنه أن يكون من مفاتيح الملكوت لأنّ قلبي مسكن الله وجسدي هيكله."

وإختتم الخوري عون تأمّله الرّوحيّ بالقول: "نتساءل كم سنة مرّ علينا زمن القيامة واحتفلنا به؟ ولكن هل سمحنا له أن يحتفل هو بنا؟ كلّ زمن في الدّنيا له مصائبه، لا نستطيع أن نغيّره ولكن باستطاعتنا أن نغيّر ذاتنا وندع الله يغيّرنا.  فمع بولس الرّسول نقول اليوم لأنفسنا: "اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ". (أف 5، 14). فالمسيح قام لكي يكون لنا النّور، ونسير في النّور الدّائم الذي لا يتبدّد في الظّلمات التي نعيشها في وطننا المتألّم والعالم الموبوء. فالنّور أقوى من الظّلام والقيامة أقوى من الموت. الرّبّ يسمّينا اليوم "بطرس" لنكون صخرة مرتكزة عليه، في وجه كلّ المصاعب والأزمات، لأنّ عليه اتّكالنا ورجاءَنا. له المجد إلى الأبد، آمين."