دينيّة
01 آب 2021, 07:00

خاصّ– عون: أهّلنا ربّي لكي نعي أهميّة العطاء في زمن العوز

غلوريا بو خليل
تجلّت توبة زكّا العشّار في الأسبوع الحادي عشر من زمن العنصرة فتغيّر قلبه وفكره ومساره، وأعلن شكره لنعمة الرّبّ. وهذا أجمل مثال لنا في أيّامنا هذه، علّنا نعلن توبتنا ونغيّر مسارنا ونتجدّد، فنُحدث فرقًا في حياتنا وحياة من حولنا ونشهد بأمانة للرّبّ، ونعيش حرّيّة أبناء الله برجاء وثقة متحدّين كلّ الصّعاب والمآسي التي تجتاح حياتنا ولبناننا. ويأتي إنجيل القدّيس لوقا (19/ 1 – 10) اليوم ليفتح لنا باب الرّجاء والخلاص، لذا كان لموقعنا حديث روحيّ مع معاون كاهن رعيّة مارت تقلا في الحازميّة الخوري بيو عون لنبحر معه إلى العمق في فهم إرادة الرّبّ وتعاليمه، فاستهلّه متسائلًا:

"هل كان لزكّا صديقٌ قبل أن يرى المسيح؟ كيف لزكّا أن يتخطّى ضعفه ويقوم؟ وهل هناك قيامةٌ قبل الموت الجسديّ؟"

وإستطرد شارحًا: "رجلٌ طموح، فكره تجاريٌّ، يحتسب حصصه من كلّ صفقة ضريبة. في النّهار يسعى ويجبي مالًا وفي اللّيل يحتسب حصّته من كلّ ما حصل عليه. إحتقره النّاس، فالإنجيل لا يذكر لنا أنّ لزكّا صديقًا، فالجمع يبغضه سواءً لأنّهم يعتبرونه فاسدًا وهم صالحون أم يعتبرونه محنّكًا وشاطرًا و"مظبّط وضعو" و"يا ريت فينا نكون مطرحو".

ولكن إذا تعمّقْنا في النّصّ سنجد بين الخلائق صديقةً واحدةً لزكّا ألا وهي شجرة الجمّيز. فهي الوحيدة الّتي استحملتْه وحملته ليرى يسوع. لا عجب بذلك لأنّ الأشجار هي أصدقاء البشر. كيف لا وعمرها على الأرض قد تخطّى الـ٣٦٠ مليون سنة. فبعض الحضارات القديمة اعتبرت الشّجرة مقدّسةً وتعطي اتّزانًا للحياة.

من جهة، اعتبرت الحضارة المصريّة أنّ شجرة الجمّيز تحديدًا هي الأمّ السّماويّة. ونرى أيضًا من خلال النّقوش القديمة أنّ شجرة الجمّيز ألهمت الشّعب المصريّ بأنّ هناك حياة بعد الموت. من جهةٍ أخرى، ألهمت شجرة الجمّيز زكّا العشّار أنّ قصر قامته ليس عائقًا ليرى ربّ الحياة ومخلّص البشر من الموت. وهكذا تخطّى زكّا في لحظة لقائه يسوع، كلّ تجربةٍ كان منغمسًا فيها، إن كان بتعلّقه بالفساد والاحتيال، أو بحبّه لتكديس الأموال.

لقاء يسوع بزكّا جعل من الأخير تائبًا وحوّله من خادمٍ لمصالحه إلى خادمٍ لله ولكلّ مظلوم. فزكّا الّذي كان يتزكّى من أموال الشّعب إلى إججه قد أصبح قلبه زكاة فيه روح العطاء الكلّيّ، رحومًا عطوفًا على مثال المخلّص. وهنا اكتشف زكّا أنّ الجمّيز ليستْ أمًّا سماويّةً بل شجرة من خلالها رأى السّماء على الأرض، وشجرة صديقة أكّدت له أنّ المسيح هو الصّديق الأقدم الأكثر وفاءً له ولكلّ البشر. صديق ينجّيه من وقت الضّيق."

وأضاف: "لا تتفاجأوا يا إخوتي، إنّ وقت الضّيق لدى زكّا هو ذاك الوقت الّذي كان مكدّسًا فيه أموالًا، أمّا وقت الفرج هو ذاك الوقت الّذي تحرّر فيه واعتبر أنّ هذه الأموال هي لخدمة المظلوم والفقير.

'اليوم تمّ الخلاص لهذا البيت"... إذا تخطّى زكّا ضعفه بقرار العطاء الّذي هو ثمرة قبوله للمسيح ونعمه الفيّاضة.

نحن اليوم بحاجةٍ ماسّة لهكذا قرار وقبول. إجعلْنا ربّي أن نكون قياميّين دائمًا على مثال زكّا العشّار. أهّلنا ربّي لكي نعي أهميّة العطاء في زمن العوز وأنّ القيامة هي حقيقةٌ نعيشها يوميًّا في هذه الحياة استعدادًا للدّهر الآتي."

وبذكرى ٤ آب/ أغسطس الأليمة التي أدمت قلوبنا اختتم الخوري عون حديثه الرّوحيّ مصلّيًا قائلًا: "نصلّي في هذا اليوم على نيّة شهداء ٤ آب/ أغسطس وأهاليهم، وعلى نيّة الضّحايا وكلّ من فقد حبيبًا أو رزقًا. ونرفع صراخنا لك ربّي لكي تحلّ العدل والأمن والسّلام في وطننا لبنان فيكون شهر آب/ أغسطس شهرًا نكتشف فيه حضور الآب والأبرار والصّدّيقين والشّهداء الأبطال يوميًا في حياتنا. آمين."