دينيّة
25 كانون الأول 2021, 08:00

خاصّ– عبدالله: ما هو عيد الميلاد؟

غلوريا بو خليل
تَعِمُّ المحبّة وتكبر في الميلاد... تكثُر أفعال الرّحمة ويسمو الحنان بين أبناء الله في الميلاد... نعود إلى أحضان الطّفولة فنعيش حناياها بحنين أخّاذ حيث لا أنانيّة ولا مصالح شخصيّة، فقط محبّة ورحمة وحنان في الميلاد. وعلى الرّغم ممّا نعيشه اليوم من ظلم وفقر ومرض وجوع يظلّ عيد الميلاد عيد الفرح والحبّ والمسامحة والغفران. ليت كلّ يوم هو عيد الميلاد، فنرحم بعضنا البعض ونسلك في النّور ويعمّ السّلام في العالم. ولكي نستخلص معنى الميلاد وأبعاده من إنجيل القدّيس لوقا (2 / 1 - 20) كان لنا حديث مع أمين سرّ عام الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأب روي عبدالله الّذي تأمّل قائلًا:

"ميلادٌ يطلّ وميلادٌ يرحل، وفي كلّ سنة نجتهد محاولين فهمًا ولو يسيرًا لتلك الأحداث التي رافقت ميلاد سيّدنا يسوع المسيح، فنتعرّف من جديد على المجوس وهداياهم والرّعيان والنّجمة وبيت لحم وحقد هيرودس وترانيم الملائكة وغيرها من المشاهد المقدّسة في عمق جوهرها. ولكن تجسُّد الله يبقى سرًّا عظيمًا لا يمكن أن تحويه عقولنا أو أن تجيب عنه أفكارنا، فأفضل ما يمكن فعله هو التّمثّل بمريم التي كانت: "... تَحْفَظُ هذِهِ الأُمُورَ كُلَّهَا، وتتَأَمَّلُهَا في قَلْبِهَا."

نعم، يبدو بأنّنا حفظنا هذه الأمور كلّها، ونكرّر حفظها في كلّ زمن للميلاد من كلّ سنة، ولكن اليوم أريد معكم أن أتأمّل مثل مريم في القلب متسائلًا من جديد: ما هو عيد الميلاد؟ وما أثره على حياة كلٍّ منّا اليوم؟ فهل هو مجرّد ذكرى لحدث تاريخيّ؟

إذا فكّرنا عميقًا بعيد الميلاد، نستطيع ربط معناه مباشرةً بإنسانيّة كلٍّ منّا ونضوجها، فكما تجسدّ الله الكلمة بابنه يسوع المسيح وأظهر نفسه وجوهره لنا، هكذا يدعونا أن نُظهر أنفسنا وجوهرنا الحقيقيّ الذي نفخه فينا في هذا العالم من خلال الحبّ، مما يجعل مفعول الحبّ في حياتنا كاملًا.

في أيّ علاقة حبّ بين شخصين، لا يستطيع الطّرفان الارتباط كلّيًّا ما دام يجهل أحدهما الآخر، فالحبّ يقتضي المعرفة، والمعرفة تقتضي التّواصل، ومن خلال ميلاد يسوع تواصل الله معنا بطريقة مباشرةً مجسِّدًا حبّه، فكره، ناسوته ولاهوته على هذه الأرض... فأيّ طريقة أعظم للتّواصل من أن يترك الله مجد عرشه لينقله إلى مذود؟!

ومنذ ذلك الحين، يكشف الله عن ذاته لنا في هذا العالم من خلال جسده، روحه وكلمته... فمن يريد معرفة الله لن يجهل هذا الحبّ أبدًا في زمننا الحاضر لأنّه جليٌّ صادق وشفّاف. ومنه نتأمّل جمال الحبّ الذي يمكن أن نعيشه مع بعضنا البعض إذا ما كشفنا عن ذاتنا لذاتنا أوّلًا، ثم للآخر، وطبعا لله الذي يعرفنا أكثر من ذواتنا.  

فإذا كنت تريد عيش معنى الميلاد الحقيقيّ، اكتشف نفسك وعبّر عن ذاتك بصدق. وإذا لم تفلح باكتشاف ذاتك بعد لا تستسلم، فهي مسيرة طويلة تكاد لا تتحقّق في حياتك الأرضيّة، فقط دع يسوع يقودك واسمع صوته في قلبك وعقلك وضميرك، وعندها يولد هو بداخلك. ستكتشف حينها نجمتك التي ستقودك نحو الحقيقة، وكالرّعيان لن تخاف شيئًا وستنطلق بإيمان نحو المغارة، وكالملائكة سترتّل المجد لله في العلى، وتصبح رسولًا على الأرض للسّلام... لنجعل المسيح متجسّدًا فينا وبيننا، لكي نعلن بكلّ إيمان وثقة: ولد المسيح... هللويا".