خاصّ- اليوم المنتظر هلَّ!
"كلّما وقفتُ أمام إنجيل الميلاد من القدّيس لوقا )٢/ ١-٢٠(، وأعدتُ التّأمّل فيه، أشعر بداخلي مجددًا بشيء من الاندهاش من تصرّف الله تجاه ابنه الوحيد الذي أرسله نورًا ومخلّصًا للعالم." بهذه الكلمات استهلّ الرّاهب المريميّ حديثه وتابع قائلًا: "أراني أربط هذا التّصرّف بين يسوع على الصّليب ويسوع هنا في بطن أمّه مريم. هناك على الصّليب، تُبدو لنا صرخة يسوع "إلهيّ إلهيّ لماذا تركتني" وكأنّها صمت من أبيه وتخلٍّ عنه. وهنا في بيت لحم، في بحث يوسف ومريم والجنين يسوع في حشاها عن بيت للإقامة فيه والولادة بهدوء وسلام، كسائر أطفال العالم، ومن دون العثور على ذلك، تظهر أيضًا وكأنّها تَخَلٍّ من الله أبيه السّماويّ."
وأضاف الأب أبي عون: "مُلفت تصرّف الله مع عائلة النّاصرة. ترك مجريات أمر هذا الحدث الجللْ تسير بطريقة طبيعيّة تحت النُظُم البشريّة. دخل الله في بشريّتنا وشاركنا الهمّ والقلق نفسه. لم ينتبه أحد بأنّ في بطن تلك المرأة الصّبيّة الطّيّبة كان يسكن الله، المسيح المخلّص المنتظر منذ أجيال وأجيال. صمت من الله الآب، وعدم اكتراث من بيوت النّاس جَعَلَ بأن تتوجّه العائلة، إلى المكان الأكثر منسيًّا في العالم والأكثر استحالةً أن يولدَ فيه أيّ طفل عائلة: مذود بسيط لا يليق سوى لمعلف يأكل فيه الحيوانات طعامهم. هناك "وُلِدَ الطفلُ الإلهيّ في نصف اللّيل" كما نرتّل خلال تساعيّة الميلاد في ترنيمة أرسل الله."
وأردف الكاهن المريميّ: "تعرّ تامّ من كلّ الحصانات والضّمانات البشريّة. في هذا المشهد المتواضع، الحقير والفقير في مغارة بيت لحم، والمتماهي مع عُري الإنسان من جرّاء خطيئته، يذكّرني بكلام للقدّيس بولس في رسالته إلى أهل فيليبّي في الفصل الثّاني عن مدى اتّضاع المسيح وتخلّيه عن امتيازاته الإلهيّة من أجلنا "فتنازل حتّى الإمحاء… والموت على الصّليب…". هذا الإمحاء بذاته لم يكن ليتحقّق ويأخذ مداه الإنسانيّ الخلاصيّ لولا مسكنه الأوّل المتواضع في مذود مغارة بيت لحم."
وأكمل: "هو الله، يتخيّل إلينا في غالب الأحيان وفي أحداث مختلفة من حياتنا، بأنّه غائب أو صامت أو بعيد لا يهتمّ بنا. إختبار عائلة النّاصرة في بيت لحم تأكيد معاكس بأنّ طرقه المتنوّعة، تسير معنا وفينا ومن خلالنا، وبالعناية نفسها التي رافق بها إبنه يسوع مع يوسف مربّيه وأمه مريم."
وإختتم الأب أبي عون بالقول: "عيد الميلاد في مذود المغارة، هو عيد تجديد الثّقة بعناية الرّبّ ومرافقته لنا في الصّمت والعلن. وبأنّ الفرح الحقيقيّ، لا يحتاج إلى الكثير من "كمّ هذا العالم"، بل إلى الكثير من "كمّ الحبّ" الذي يؤمّن لنا حيثما نحن شيئًا من أمان وطمأنينة وسعادة مغارة بيت لحم. كلّ عيد ونحن جميعًا بخير وخصوصًا السّلام والازدهار والاستقرار لوطننا الحبيب لبنان."