دينيّة
09 نيسان 2017, 13:00

خاصّ- القدّيسة رفقا تحكي لغة الحبّ في مديوغوريه كما في لبنان

ريتا كرم
نشأ على محبّة القدّيس شربل شفيعه، كبُر وباتت رفقا أختًا له وصار لقدّيسي لبنان متعبّدًا ولهم مكرّمًا في لبنان كما في خارجه. هو شمّاس كنيسة مار الياس المارونيّة في بلّونة شربل نعّوم ضوّ الّذي عاش خبرة روحيّة توقّف عندها موقع "نورنيوز" الإخباريّ ليقدّم من خلالها قصّة شربل مع رفقا رسولة الألم والحبّ عشيّة أسبوع الآلام.

 

لم تكن الرّاهبة اللّبنانيّة قد جذبت شربل إلى مزارها قبل عرس تقديسها عام 2001، فالأخير كان كلّما تعطّش إلى الصّلاة يلجأ إلى شفيعه شربل قدّيس عنّايا، غير أنّ رغبة ابن وطن الأرز بتكريم ابنة بلاده الحملاويّة طرقت باب قلبه، فنظّم مسيرة شكر بعد إعلان قداستها وسار في موكب خاشع يتقدّم المؤمنين بفرح عظيم، من كفيفان باتّجاه دير مار يوسف- جربتا. وعندما وصل ووقف أمام تمثالها بجانب قبرها، شعر برفقا وسمعها تهمس همس القدّيسين: "يا خيّ أنا ناطرتك من زمان ليش مش عم تجي؟"، فانهمرت حينها الدّموع من عينيه وبكى متأثّرًا بهذا اللّقاء المبارك، لتبدأ مذّاك مسيرته مع رفقا وتكرّ سبحة الزّيارات المتكرّرة وبخاصّة في عيدها.

يروي شربل متابعًا بقلب ممتلئ بفرح البشارة ويخبر أنّه في إحدى المرّات، وفيما كان الدّير يحتفل بعيد القدّيسة رفقا، قصده بغية المشاركة في القدّاس الإلهيّ وتقديمه لرفقا إلّا أنّه رُدّ خائبًا لأنّه لم يلحق مواعيد القدّاسات الاحتفاليّة، فاستعاض عن ذلك بحضور رسيتال للمرنّمة جومانا مدوّر الّتي كانت تملأ المكان بصوتها الجهوريّ بترانيم التّسبيح والتّهليل، فجلس بين جمهور المؤمنين يتلو على وقع تلك الأنغام مسبحته على النّيّة الّتي أتى من أجلها. وفجأة وسط التّرنيم والتّصفيق، شعر بشخص يقف لجهة كتفه ويقول: "يا خيّ اطلاع على الكنيسة"، التفت ولم يجد أحدًا فلازم مكانه. غير أنّ الأمر تكرّر مرّة ثانية فلم يردّ، ومرّة ثالثة إذ أحسّ بلمسة قويّة على الكتف ذاته وسمع الكلام نفسه يتردّد على مسمعه، فهبّ ووقف وسط تساؤلات أصدقائه ومشى مخترقًا الجموع باتّجاه الكنيسة، وإذا به يسمع كاهنًا من على المسرح يقول: "أنا أتيت من بعيد من أجل أن أحتفل بالقدّاس الإلهيّ مع القدّيسة رفقا، وبرفقتي مجموعة قصد أفرادها الدّير من الخارج، فلمن يرغب مشاركتنا في القدّاس، ليقصد الكنيسة."

عندها، شعر شربل أنّ السّماء سمعت صوته فذهب وقدّم قربانه بفرح عظيم في ذاك القدّاس "الهديّة".

لم تبقَ العلاقة بين شربل ورفقا باردة وإنّما أدفأها حنان كبير سكن قلب الشّمّاس بعد نيل النّعمة تلك. قسُرت المسافات وباتت له أختًا يحبّها حبًّا جمًّا، أخت لا يردعه شيء اليوم عن زيارتها كلّما احتاج إلى ذلك، أخت قدّيسة علّمته لغة الحبّ، تلك اللّغة القويّة الّتي يتكلّمها أهل السّماء والّتي ثبّتته في دعوته الّتي شبّت مع شربل مخلوف وهي تنضج اليوم مع رفقا وبنعمة قدّيسي لبنان.

شربل ضوّ لم يحدّ رسالته لا بمكان ولا بزمان، بل اختار أن يحملها إلى كلّ العالم بخاصّة إلى مديوغوريه الّتي شهدت أرضها على لقاء بين رفقا وأحد الحجّاج. ففيما كان شربل كعادته يوزّع صور قدّيسي بلده على الجماعات غير اللّبنانيّة، تقدّم من أحد الهولنديّين الّذي كان قد سمع بشربل والحردينيّ ولكن ليس برفقا فلم يأخذ الصّورة ودخل الكنيسة يصلّي ليخرج بعدها باكيًا مرتبكًا يبحث عن شربل يخبره بلغته ما حصل: "وبينما كنت أصلّي وقفت بجانبي راهبة سألتني "لمَ لم تأخذ صورتي فأنا أصلّي من أجلك؟" فسألها عن هويّتها وردّت مجيبة "أنا رفقا من لبنان"." أبدى الهولنديّ تعجّبه لأنّه لم يكن يعرفها، وتفاجأ أكثر لأنّها كانت تخاطبه بلغته الأمّ، إلّا أنّ القدّيسة رفقا أشبعت فضوله وأسكتت تساؤلاته معلّقة: "نحن في السّماء، نحكي لغة واحدة تفهمونها جميعكم على الأرض، إنّها لغة الحبّ." خرج من الكنيسة مذهولاً فأخذ الصّور ليوزّعها على جماعته ويشهد لما حدث معه، وقرّر يومها أن يزور لبنان بلد الحبّ ويقصد محبوبته رفقا.

بهذه الشّهادة، دعوة كما يقول الشّمّاس شربل ضوّ، إلى التوقّف عند جرح يسوع السّادس الّذي حملته رفقا، وإلى التّأمّل بالمسيح الّذي حمل صليبه على كتفه المجروح والّذي سبّب له آلامًا كثيرة. دعوة إلى زيارة هذا الكتف وحضنه وحمله والتّمثّل به، وإلى عدم الخوف من الألم والحبّ لأنّ غياب أحدهما يلغي الآخر ويذيبه، وبدون الصّليب لا قيامة.