دينيّة
01 آذار 2020, 08:00

خاصّ- الحبّ يشفي... فماذا نحتاج بعد؟

غلوريا بو خليل
تضعنا الكنيسة المارونيّة في هذا الأحد الثّاني من زمن الصّوم الكبير أمام آية شفاء الأبرص للقدّيس مرقس (1/ 35 - 45)، التي استهلّها يسوع بالصّلاة في مكان قفر لينطلق منه إلى الكرازة، فيعلّمنا بذلك أن نقتدي به ونرفع الصّلاة قبل أيّ عمل نقوم به في حياتنا. وللتّعمّق بهذا النّصّ الإنجيليّ المقدّس كان لموقعنا حديث مع نائب معاون رعيّة سيّدة التّلّة - دير القمر الأب روي عبدالله.

 

إستهلّ الأب عبدالله حديثه بالقول إنّ "شفاء الأبرص يُعرِّفنا أنّ الله هو الحبّ اللّامحدود، ويعلِّمنا ما ينقصنا بعد، لنلمس هذا الحبّ الحقيقيّ في عالم اليوم."

 

وعن "جوهر الله الحبّ اللّامحدود" تابع شارحًا: "خرج يسوع إلى القفر ليصلّي وعندما أعلمه تلاميذه أنّ النّاس يطلبونه أجابهم بأنّه يريد الذّهاب إلى مكان آخر. الله لا تحدّه هتافات الحشود وأضواء الشّهرة ولا ما يطلبه المستمعون. فإن الحبّ اللّامحدود يبحث دومًا عن الضّائع والمريض والشّريد والمثقل بأحمال هذه الحياة. حبّ الله يدخل إلى المكان الذي رذله الإنسان وأخفاه. يخرج إلى الظّلمات التي يخافها البشر. هو ليس خروج بل دخول إلى عمق جروحاتنا النّفسيّة والرّوحيّة التي يخافها الإنسان ذاته فيخفيها في مكان بعيد ولا يعود يواجهها أو يتواصل معها بل ويحكم عليها وتحكم عليه."

 

وأضاف الأب عبدالله: "يمثّل الأبرص خوف الإنسان، فهو قد أبعدته الجماعة عنها وأقنعته بأحكامها بأنّه خاطئ غير محبوب من الله والنّاس، ألقته في ظلمة وقتلت فيه الرّغبة في الحياة. هذا البرص موجود في داخل كلًّ منّا. هو ألمنا وضعفنا وخطيئتنا التي ساعدنا المجتمع على طمرها في أعماقنا، لم نواجهها ولم نعش يومًا حقيقيّين مع أنفسنا. فأصبحنا نبحث عمّن يحبّنا ويقبلنا في صحراء حياتنا، ولكن في الحقيقة نحن أيضًا لم نعد نحبّ أنفسنا وأصبحت حياتنا أقنعة نلبسها الواحد تلو الآخر لنقنع ذاتنا والنّاس بأنّنا بخير وليس بنا علّة فنشحذ رضاهم ويقبلوننا فيما بينهم."

 

وعن الله استرسل نائب معاون رعيّة سيدة التّلّة موضحًا "أمّا الله فلا يمكننا أن نهرب منه مهما ابتعدنا. فحبّه لا حدود له. ولا حتّى أعمق أعماقنا يمكن أن يخفي عن هذا الحبّ اللّامشروط برصنا وخوفنا وأنين نفوسنا. فخرج هذا القلب إلينا باحثًا عنّا. وكأنّه لا يوجد غيرنا على الأرض في نظره. لم تشتّت الجموع بحثه ولا أقنِعتهم، ولا تحجّر قلوبهم أوقفه، فهو يقصدنا في عزلتنا. لسنا رقمًا عنده بل نحن كيان فيه. وصل إلينا حاملًا الحبّ ولا شيء سوى الحبّ، وهو ينتظر من حرّيّتنا ألّا تخاف الاقتراب منه بعد أن اجتاز كلّ الحواجز من أجل شفائها. مشيئته أوصلته إلى عقر دار غربتنا، أفلا نطلب منه لمسة شفاء؟ هو يعرف عمق جذور برصنا وسجننا، أفلا نقترب ونسأل التّطهير والحرّيّة؟ إنّ حبّ الله لا حدود له، وهو فيما بيننا، يقترب لكي نراه، وينتظر لكي نسأل، فماذا نحتاج بعد؟"

 

و"لكي نلمس الحبّ الحقيقيّ في عالم اليوم" استطرد الأب عبدالله مختتمًا حديثه قائلًا: "نحن في أمسّ الحاجة إلى هكذا لقاء، علينا أن نخرج ونذهب إلى مكان قفر ونصلّي في الخفاء. نحن نعيش في عالم الضّجيج والأحكام والخطيئة والظّلم وقتل الله... يجب أن نبتعد قليلًا. يعلّمنا يسوع في إنجيل الأبرص أنّه لا يمكن أن يحصل التّغيير الذي نحتاجه إلّا إذا خرجنا إليه كما هو خرج إلينا بالحبّ. لقد تمّ اللّقاء بين يسوع والأبرص بعيدًا عن المدينة والجموع والضّجيج والقانون والشّريعة والمعتقدات والخرافات. لقد التقى الأبرص بالحبّ الحقيقيّ في أعماق قفره. هذا اللّقاء في العراء، في الحبّ المجرّد، بين أمراضنا والطّبيب الحقيقيّ وبين طلبنا ومشيئته في الحبّ يتجلّى بالصّلاة، فهلّا نصلّي ونترك الحبّ يشفي".