دينيّة
14 آب 2022, 07:00

خاصّ- الأب ناصيف: زكّا... مثال للتّوبة الصّادقة

نورسات
"يسوع يجتاز أريحا بعد اجتراحه العديد من العجائب، ممّا جعل الشّعب يزحمه حيثما حلّ. سمع زكّا الخبر فجاء بدوره "يطلب" أن يرى يسوع. ممّن جاء يطلب ذلك؟" بهذه المشهديّة المقتضبة استهلّ الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب جورج ناصيف تأمّله لإنجيل الأحد الحادي عشر بعد العنصرة بحسب القدّيس لوقا (19/ 1- 10) الذي يتحدّث عن توبة زكّا العشّار.

وتابع: "لقد دفع الكثير من الأموال كي "يطلب" وظيفته، لكنّها لم ترتدّ عليه إلّا بالعدائيّة والرّفض من بني قومه. "طلب" مكانة مرموقة من الرّومان، فلم يلاقِ إلّا النّبذ من بيته وبيئته. إذن هو لا يطلب من أحد أن يريه يسوع، بل هي رغبة داخليّة تدفعه للقاء شخص سمع أنّه مميّز، وربّما تعوّضه ما خسر من قبول وحبّ وانتماء من إخوته "أبناء إبراهيم".

"ركض وتسلّق"، إنّه تصرّف طفل يركض ويتسلّق الأشجار. ربّما رأى يسوع بتصرّف زكّا، قلبَ طفلٍ يستحقّ أن يدخل ملكوت السّموات. لذلك توقّف ودعاه لينزل ويجعل منه أمام الجميع مثالًا للتّوبة الصّادقة والقائمة على تغيير نهج وأخذِ المبادرات والتّعويض عن أفعال الماضي السّيّئة."

وأكمل: "عندما ينتابنا شوق للقاء الرّبّ، هو يلاقينا في منتصف الطّريق ويسهّل علينا اللّقاء.

مقابل الأفعال الثّلاثة التي قام بها زكّا: "تقدّم، ركض، وصعد..." قام يسوع بأفعال ثلاثة كجواب عليها: "رفع نظره، قال له، أقام في بيته...".

وأمام تذمّر القلوب المتحجّرة المتمسّكة بالشّكل لا بالجوهر، بالهامش لا بالعمق، أمام الآراء السّطحيّة التي لا ترى إلّا حرفيّة الشّريعة، لم يعطِ يسوع جوابًا، بل كان شفاء زكّا الرّوحيّ وتوبته هو الجّواب."

وإختتم تأمّله واضعًا كلّ منّا أمام ذاته وضميره سائلًا: "واليوم، بينما نقرأ هذا النّصّ، أين يرى كلّ واحد منّا موقعه؟ هل في موقع الزّحمة التي تمتنع وتمنع الآخرين من الوصول إلى الخلاص؟ هل في موقع زكّا الذي لا يزال يفتّش ولم يجد بعد شجرة يتسلّقها كي يرتفع عن هذا العالم الصّاخب ليرى يسوع؟ أم موقع من يدّعي التّديّن والقداسة، منصّبًا نفسه ديّانًا مكان الإله الغفور المحبّ؟"