ثقافة ومجتمع
03 شباط 2017, 15:17

خاصّ- أطفال "مركز سرطان الأطفال في لبنان".. حكاية أبطال مخضرمين

هو مركز سرطان الأطفال في لبنان.. مركز تتصاعد من أرجائه أصداء ألم تسكتها ضحكات الأمل، مركز تتمازج بين غرفه دموع البكاء بدموع الفرح، مركز يغمر كحنان الأمّ ويحمي كصلابة الأب أطفالاً جعل مرض السّرطان من أجسامهم الضّعيفة مستعمرات يقاتل فيها أفراحهم ويقتل فيها آمالهم.. هو مركز حيطانه دافئة بحرارة ألوانه: الأحمر لاحمرار وجناتهم صحّةً، الأصفر لنسيان صفار بشراتهم الطّريّة، الأخضر لزرع حقول مزهرة في قلوبهم اليابسة واليائسة، الأزرق وكأنّ هذا المركز قطعة من السّماء يسرح فيها هؤلاء الصّغار.

 

يُصادف يوم السّبت 4 شباط/فبراير يوم السّرطان العالميّ، ولهذه المناسبة زار موقع "نورنيوز" مركز سرطان الأطفال وجال في أرجائه مدردشًا مع الأطفال ومستمدًّا منهم القوّة والإيمان والمثابرة.

"بدّي صير طبيبة وساعد الأطفال المصابين بمرض السّرطان".. بهذه الكلمات كشفت لنا "هند" عن حلمها خلال حديثها مع موقعنا.

"هند" مصابة منذ سنة ونصف السّنة باللّوكيميا، وهي من خلال ابتسامتها الّتي لا تفارق وجهها، تحارب بكامل قوّتها مرضها، علّها تتغلب عليه وتُسجّل نجاحًا جديدًا في سجلّ شفاءات مركز سرطان الأطفال.

حلم "هند" الكبير هو أن تصبح طبيبة، إلا أنّها اليوم تطمح إلى لقاء فنّانتها المفضّلة "نانسي عجرم"، فهي "جميلة وصوتها جميل وتحبّ الأطفال".

لا يخلو المركز من الزّوّار وبخاصّة من المشاهير منهم، فهم يتوافدون بين الفينة والأخرى إليه ليرسموا البسمة على وجوه هؤلاء الصّغار ويطردوا الألم من قلوبهم الطّيّبة، فيملأون أرجاءه فرحًا ويزرعون فيهم ذكريات لا تُنسى. فـ"هند" لا تزال تتذكّر زيارة الفنّانة "سيرين عبد النّور" لهم، يومها تغلّبت عليها بلعبة الـUNO.

"هند" هذه الفتاة القويّة والدّائمة الابتسامة، تنمو في داخلها موهبة الرّسم والتّلوين تترجم من خلالها أفكارها ومشاعرها على الورق. وحصّة الرّسم في المدرسة هي خير شاهد على إحساسها المرهف، إذ هي تحجز لها دائمًا مركزًا بين المتفوّقين في هذه المادّة بمدرستها.

لم تتذمر "هند"- خلال حديثها مع موقعنا- من مرضها، فهي متقبّلة لوضعها وقد حوّلت الأمور السّلبيّة إلى إيجابيّة. ففحين يشكو غالبيّة الأولاد من فقدان شعرهم، تعلم "هند" أنّ هذه هي "إرادة الله" وهي قد اتّخذت قرارًا بأن تبقي شعرها قصيرًا لمدى الحياة لأنّه يناسبها ويظهر جمالها.

"جواد".. شاهد آخر على الإرادة الصّلبة. فهو بدوره يعاني من مرض اللّوكيميا وقد منح موقع "نورنيوز" شرف الدّردشة معه.

"إنّ الفترة الأولى من العلاج هي الأصعب، ولكن إن تمتّع الشّخص بإرادة قويّة يمكنه التّغلّب على محنته"، كلمات خرجت من فم فتًى نضج قبل أوانه وفهم سرّ الحياة وأدرك أنّ "الطّبّ والصّلاة هما مفتاحا الشّفاء الأساسيّان".

"جواد" وسائر مرضى المركز مغمورون بلطف فريق عمل ينضح أفراده محبّة وعطاء، فالمريض "يشعر براحة كبيرة نتيجة معاملة الأطبّاء وفريق العمل له".

من هوايات "جواد" التّمثيل، فهو يرغب بلقاء الممثّل الأقرب إلى قلبه "طوني عيسى"، ولكن في الوقت الحاليّ يُركّز على دراسته ليتمكّن من النّجاح في امتحانات الشّهادة المتوسّطة.

أُسّس مركز سرطان الأطفال في لبنان  منذ 15 عاماً ليكون بصيص أمل للأطفال وليخفّف عن العائلات ويحمل معها صليبها، فيقدّم خدماته الطّبّيّة والنّفسيّة من دون أيّ مقابل.

"المركز إقليميّ رائد في علاج الأطفال المصابين بمرض السّرطان الّذين تتراوح أعمارهم بين الأشهر والـ18 سنة. وأنشئ باتّفاق مع مستشفى "سانت جود" في الولايات المتّحدة الأميركيّة"، هذا ما أكدّته منسّقة جمع التّبرّعات في المركز فاديا الحاج في حديثها مع موقعنا مضيفةً أنّ نسبة الشّفاء في المركز لكافّة أنواع السّرطان وصلت إلى 80% في حين أنّ سرطان الدّمّ، النّوع الأكثر تفشّيًّا عند الأطفال، وصلت نسبة شفائه إلى 92%."

وقالت إنّ "المركز عالج حتّى اليوم حوالى 1330 طفل، ويستقبل سنويًّا حوالى 100 حالة جديدة" مشيرة إلى أنّ الكلفة السنوية لعلاج طفل واحد هي 55000 دولار.

للتّمكّن من جمع هذه المبالغ الطّائلة، يقوم إذًا المركز بحملات تبرّع عديدة على مدار السّنة، آخرها حملة جمع التّبرّعات من خلال إرسال رسالة نصّيّة على 1105 (للأرقام اللبنانية فقط). وتأمل إدارة المركز أن تجمع كلفة علاج طفلين أيّ ما يقارب 110000 دولار.

إلى جانب هذه الحملة، نذكر حملة الـ Pink Table يوم السّبت 4 شباط/فبراير يوم السّرطان العالميّ حيث تقوم بعض المطاعم بتخصيص بعض الحجوزات يعود ريعها إلى مركز سرطان الأطفال.

لا يكتفي المركز بتقديم الخدمات الطّبّيّة والنّفسيّة للأطفال، وإنّما يمدّ الأهل أيضًا بالمشورات النّفسيّة ليتمكّنوا من تخطّي مراحل علاج أبنائهم بصبر ووعي. كما يعمل أيضًا على متابعة الأطفال تربويًّا، مع فريق من الأساتذة المتطوّعين لتعليمهم.

الأستاذ "حسان الدّاعوق"، مدرّس المواد العلميّة في المركز خصّ موقعنا بحديث أطلعنا من خلاله على نظام التّعليم فيه.

تفرّغ الأستاذ الدّاعوق لتطوّعه في المركز منذ 13 عامًا، وهو إلى جانب مهامه التّعليميّة مسؤول عن حلّ مشاكل الأطفال مع المدارس ووزارة التّربية والتّعليم العاليّ.

يداوم يوميًّا من الـ9.30 صباحًا حتّى السّاعة الأولى من بعد الظّهر. لا يميّز بين تلاميذه في المركز وفي سائر المدارس، فهو يُزوّدهم بفروض منزليّة ويساعدهم على تخطّي مشاكلهم الدّراسيّة بفرح وحماسة. المهمّ بالنّسبة إليه "هو أن يفهم الطّفل الدّرس، لذا يعمل جاهدًا لتترسّخ القاعدة جيّدًا في ذهن التّلميذ".

أمّا عن سير الامتحانات الرّسميّة، فهو يشير إلى أنّ الأطفال يقومون بالامتحانات الرّسميّة داخل المركز تحت إشراف لجنة مراقبة الامتحانات. ويُذكر أنّ نسبة النّجاح لامست في الدّورات الماضية الـ100%.

لقاء الأطفال في مركز سرطان الأطفال في لبنان، لقاء يعجز اللّسان عن وصفه؛ فبين عاصفة المشاعر الّتي تهبّ في القلب غصّة تارّة ومحبّة طورًا، حكاية أبطال ما خطوا في مسيرة حياتهم إلّا سنين قليلة، غير أنّهم بابتساماتهم يعزّزون فيك خبرة كبار مخضرمين ويزرعون فيك السّلام والإيمان والإرادة الصّلبة.. وتبقى العبرة لمن اعتبر!