دينيّة
12 شباط 2016, 11:16

حَدَث في مثل هذا اليوم: لقاء تاريخيّ بعد قطيعة 10 قرون

ريتا كرم
هذا ما سيسجّله التّاريخ اليوم في رزنامة أحداثه بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2016، ففي الوقت الّذي ينطلق فيه كلّ من أسقف روما البابا فرنسيس لزيارة المكسيك وبطريرك موسكو وسائر روسيّا كيريل لزيارة أميركا اللّاتينيّة، ستشهد أرض كوبا المحايدة، حيث تنمو المسيحيّة، على لقاء مسكونيّ تاريخيّ يجمع الحبرين منذ الانشقاق الكبير عام 1054، لقاء كان قد بدأ التّخطيط له منذ سنتين، ويستمرّ لمدّة ساعتين ويتوّج ببيان مشترك يطلقه الطّرفان من مطار هافانا، كما ينضمّ إليهما الرّئيس الكوبيّ راؤول كاسترو خلال تبادل الهدايا.

هذا الحدث الّذي سيشكّل منعطفاً تاريخيّاً ويكسر الجليد بين الكنيستين، أُعدّ له منذ نحو عشرين عاماً بحسب رئيس قسم العلاقات الكنسيّة الخارجيّة في بطريركيّة موسكو المطران هيلاريون فولوكولامسكي، وتمّ تسريعه بسبب "الإبادة الجماعيّة للمسيحيّين"، ما حتّم اللّقاء بين الزّعيمين الرّوحيّين في مواجهة ما يجري.

ويأتي هذا اللّقاء، بعد محاولات جدّيّة لأجل وحدة الكنائس وبخاصّة مع بروز الرّوح المسكونيّة لدى البابا فرنسيس الّذي تحدّث سابقاً عن "مسكونيّة الدّمّ" الّتي تنطوي على اضطهاد المسيحيّين من مختلف الكنائس، فـ"إنّ شهداءنا يستغيثون. نحن واحد! لدينا بالفعل وحدة بالرّوح وبالدّمّ"، و"الإقرار بالتّكامل بين طقوس الكنيسة الشّرقيّة مع الكنيسة الرّومانيّة الّتي يتمّ فيها قبول سلطة بابوية دون فقدان اللّيتورجيّات المختلفة أو سلطات البطاركة المحلّيّين" هو أمر قائم ونحن لا نستطيع التّحدّث في هذه الأمور اليوم. نحن بحاجة إلى إيجاد وسيلة أخرى".

وبالعودة إلى عام 1054، ومع تراكم الأزمات والخلافات بين الطّرفين منذ مجمع خلقيدونية عام 451 م. تأزّمت العلاقات بينهما واحتدمت النّقاشات حول الطّقوس وتبادلا الرّسائل الاتّهاميّة، فكبرت الهوّة مع اتّساع الفوارق السّياسيّة والثّقافيّة والعقائديّة والسّلطة الكنسيّة والتّعليم الكنسيّ إلى أن انشّقتا في ذاك العام المشؤوم كمقدّمة للانشقاق النّهائيّ الّذي أدّت إليه الحملة الصّليبيّة الرّابعة سنة 1204. وكانت القضيّة الأوكرانيّة غالبة في هذا الصّراع كذلك، بحيث شكّلت رعاية الكرسيّ الرّسوليّ لأتباع الكنيسة الكاثوليكيّة اليونانيّة في أوكرانيا المتّهمين بالاستيلاء على مئات الكنائس الأورثوذكسّيّة في روسيا، مأخذاً من قبل البطريركيّة الرّوسيّة على الأداء الكاثوليكيّ، بخاصّة مع اعتمادها سياسة الفاتيكان في "التّبشير" في مناطق تابعة للكنيسة المحلّيّة على أرضها. وهذه كانت عقبة أطاحت بنجاح لقاءات سابقة بين الكنيستين قبل وصول البابا فرنسيس إلى السّدّة البابويّة. فالبابا يوحنّا بولس الثّاني حلم بزيارة موسكو غير أنّ مساعيه لم تتحقّق بسبب الماضي المتراكم ولجذوره البولنديّة الّتي وقفت عائقاً بسبب العلاقات التّاريخيّة المتوتّرة بين البلدين، والّتي استعادت الدّفء مع البابا بنديكتوس السّادس عشر الّذي تقدّر الكنيسة الرّوسيّة استقامته الأخلاقيّة، لتتبلور العلاقة اليوم وتتحسّن مع البابا فرنسيس الّذي يرى فيه البطريرك كيريل صورة الرّاعي.

بعيداً عن التّحليلات والقراءات لهذا اللّقاء الّذي يُجمع الكلّ على تاريخيّته واستثنائيّته، هل يسقط جدار الخلافات بين الكنيستين الكاثوليكيّة والرّوسيّة رغم كلّ الاختلافات، ويتحوّل 12 شباط/ فبراير 2016 إلى نقطة تحوّل في مسار الانشقاق الكبير يعلن عنه البيان المشترك الّذي يترقّبه العالم أجمع اليوم؟ وهل يتحقّق الوئام والسّلام في العالم نتيجته ويُفتح باب الوحدة المرجوّة بين الكنائس الشّرقيّة والغربيّة؟