ثقافة ومجتمع
20 آذار 2017, 11:00

جاك الكلّاسي: "ويلٌ لوطن إعلامُه يقيم قلّة الأدب مكان الأدب"

"دور الإعلام في تعزيز حوار الأديان" عنوان بسط تحت جناحيه مدير عام تيلي لوميار ورئيس مجلس إدارة نورسات السّيّد جاك الكلّاسي أفكاره، في كلمة تلاها في الجلسة الثّانية من المؤتمر الدّوليّ "الإعلام ناشر الحضارات وهمزة وصل للحوار" الّذي تنظّمة الوكالة الوطنيّة للإعلام، برعاية وزير الإعلام ملحم الرّياشي. الكلمة استقاها الكلّاسي من خبرته الطّويلة في مجال الإعلام وبخاصّة الدّينيّ، فقال:

 

"مرافقتي للإعلام على مدار 27 سنة مع كلّ إيجابيّاتها، أظهرت لي: أنّ كلّ هذه الاكتشافات الحديثة، وتطوّر تقنيّات الإعلام والسّرعة بنشر المعلومة، بات يرافقه تدهور مهول ومريع بالمصداقيّة وبالمضمون.

فيض المعلومات الّذي يصلنا بساعة، كان يصل إلى أجدادنا على مدار سنة كاملة.

هذا الفيض من المعلومات، هو كالسّيل الجارف، لم يعد يترك لنا الخيار في الاختيار، أو انتقاء المعلومة، أو وقت للتّفكير والتّحليل، أو التّأكّد من مصداقيّة الخبر.

وللأسف بات همّ وسائل الإعلام كسب أعداد المشاهدين والقرّاء، والتّهافت على أسبقيّة الخبر بدون التّدقيق في مصدره ومصداقيّته أو التّركيز على حقيقة حدوثه بالفعل.

صحيح أنّ هناك ستّة آلاف سنة بشريّة على كوكب الأرض، والحروب والصّراعات لا زالت قائمة، ولكن يومها لم يكن هناك إعلام بمفهوم اليوم وكان تناقل الأخبار محدوداَ، ولكن الحروب على الأقلّ كانت تتوقّف بين الحين والآخر.

ولكن من مئة سنة إلى اليوم مع اكتشاف الرّاديو عام 1920،  والتّلفزيون عام 1925، ومن بعدها الثّورة الإلكترونيّة في عصرنا الحديث والمنصّات الرّقميّة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، لم تتوقف الحروب.

حربان عالميّتان في القرن الماضي ما عدا الحروب الصّغيرة المتفرّقة هنا وهناك.

أكثر من 50 حربًا قائمة اليوم في العالم.

بدأت هذه الحروب تتّخذ أشكالاَ جديدة، فبالإضافة إلى أدوات الحرب الفعليّة من مدافع وصواريخ وقنابل ومختلف أنواع الأسلحة، هناك حروب أخرى بأدوات وأساليب جديدة. حروب ضدّ المفاهيم الّتي تربّينا عليها من قيم وثقافة، ولم يعد سهل إيقاف ذلك الضّخّ الهائل من الأخبار والأفكار، والسّيل من المعلومات مع الإنترنت الّذي يستعمله 3.5 مليار إنسان أيّ ما يعادل نصف سكّان الأرض.

أتساءل ما هي فائدة بعض وسائل الإعلام من التّركيز على السّلبيّات والصّور المتشائمة السّوداويّة، الّتي لا تتحدّث إلّا عن المآسي والمجازر والإرهاب، وعن صور العدوّ الشّبح القابعة في ذاكرتنا التّاريخيّة المشحونة بصور العنف.

لا أستطيع الفهم كيف أنّ ابن السّبعين والسّبع سنوات يتابعان الخبر ذاته، ويريان أقوى المشاهد؟

على أيَ قيم تتربّى أجيالنا؟

تحت شعار وستار الحرّيّة بات كلّ شيء مباحًا.

العنف الكلاميّ مباح!

السّجال التّجريحيّ مباح!

الكلام التّحريضيّ مباح!

المشهد الإباحيّ مباح!

هذا التّفلّت الأخلاقيّ في الإعلام يزيد على مصائبنا مصائب، ويقودنا إلى الكارثة. وهذا ما يجعل شبابنا يهرب إلى البدع والشّعوذة والسّحر والتّنجيم والسّهر المفرط والسّكر والمخدّرات، هربًا من واقع أصبحوا أضعف من أن يواجهوه.

الإعلام ليس نقل معلومة بل هو رسالة.

المعلومة شيء (information) والرّسالة شيء آخر (Message).

دور الإعلام هو أن يثقّف وينشّئ informer et former، دور الإعلام هو نقل الحقيقة وحفظ كرامة الإنسان.

على الأجيال الجديدة أن تعرف أنّ الشّرّ موجود ولكنّه خطأ وهو صغير ونسبيّ أمام الخير الموجود في الدّنيا.

ليس صدفة أن يكون لتيلي لوميار 11 فضائيّة تتحدّث عن الخير، لأنّ الخير موجود وبوفرة، فغنى الفكر والثّقافة والفنون الموجود اليوم في مجتمعاتنا يفتّش عن مكان ليتفجّر منه قيم وجمال.

ليست صحيحة مقولة "المشاهد عايز كده " لتبرير السّطحيّة في البرامج وتسخيفها، ولو كان هذا صحيحًا ما كان لتيلي لوميار ونورسات 20 مليون مشاهد يفتّشون عن الحقيقة.

البطولة ليست بأسبقيّة الخبر على حساب كرامة النّاس وتحطيمهم وتشويه صورتهم، والقوّة ليست بطشاً يكسر رقابهم ويدوس على كراماتهم.

البطولة والقوة هي أن تنحني على من سقطوا كي ترفعهم من جديد فيقفون بكرامة.

تحت ستار الجرأة نقول ما يقال وما لايقال، فكم من الكلام خرّب حياة النّاس وأدّى إلى قتلهم؟

الإشاعة تقتل أكثر من المتفجّرة.

وصايا الله العشر تربّينا عليها في مدارسنا وكنائسنا، وصايا عمرها 3729 سنة: لا تسرق، لا تقتل، لا تكذب، لا تشهد بالزّور.

للأسف، البعض يفكّر أنّ وصيّة "لا تقتل" هي وصيّة خاصّة بالمجرمين والقتلة ولا علاقة له بها، وينسى أنّ كلام التّشهير والإهانة والكلام الموجع الّذي يسبّب الحزن والألم ويحطّم الآخر ويجعلة يشعر أنّه لا شيء وغير صالح لشيء، هذا فعل قتل وسيحاسب عليه في الآخرة كقاتل حقيقيّ.

في عالم أصبحت فيها وسائل الإعلام في خدمة الموت، وبات الإعلام فيه مدرسة للتّجريح

والتّحريض والفضائح وقلّة الأدب والكذب، ما أحوجنا اليوم لإعلاميّين شرفاء.

كلّ إعلاميّ شريف يليق به لقب أمير، و إذا زرع في محطّته أو برنامجه أو إذاعته أو مجلّته أو جريدته أو على موقعه كلمة محبّة تأكّدوا أنّنا سوف نحصد السّلام.

نحن بحاجة لإعلام يفكّر "صحّ" وينقل "صحّ".

 نحن بحاجة لإعلام لا يتلاعب بعقول النّاس ولا يسمّم أرواحهم.

نحن بحاجة إلى إعلام يساعدهم على التّمييز بين الخير والشّرّ.

نحن بحاجة إلى إعلام يظهر الآخر المختلف عنّا بالدّيانة، واللّون، والعرق أنّه هو أيضًا خليقة الله وأخ لنا في الإنسانيّة.

نحن بحاجة إلى إعلام يمدّ الجسور مع الآخر.

نحن بحاجة إلى إعلام لا يصبّ الزّيت على النّار.

نحن بحاجة إلى إعلام يزرع الفرح على وجوه النّاس.

نحن بحاجة إلى إعلام دينيّ ملتزم معتدل لا يجرّح بالآخر.

من المتوقّع خلال الـ25 سنة القادمة، أن يصبح عدد سكّان الأرض 10 مليارات نسمة. لن يكون كلّ هؤلاء مسيحيّين او مسلمين أو يهود.

اليوم نتناول الحوار بين الأديان، في حين أنّ عدد الدّيانات في العالم يتجاوز الـ4200 ديانة منتشرة في جميع أنحاء الأرض، كلّ هؤلاء أناس خُلقوا على صورة الله ومثاله، ولا يقول أحد إنّنا الأكثريّة وهؤلاء أقلّيّة، فهل القلب أقلّيّة في الصّدر؟ أو الدّماغ أقلّيّة في الرّأس؟ أم العين أقلّيّة في الوجه؟

فإنّ هذا من الأكثريّة أو ذاك من الأقلّيّة قد ساهما في تطوّر البشريّة وتقدّم العلوم والاختراعات واكتشاف الأدوية وأشياء أخرى.

نحن بحاجة اليوم أن نربّي أجيالاً قادرة على العيش مع بعضها البعض وأن تعرف أن الطّريق إلى الله تمرّ بالآخر المختلف.

فمن ليس قادراً على العيش مع من يختلف معه في الدّين، لن يكون قادراً أن يعيش مع من هو مختلف عنه بالرّأي.

في كلّ دياناتنا وكتبنا نعلم أنّ الله فضّل الإنسان على كلّ مخلوقاته وسخّر له كلّ ما في السّماء والأرض. فالله هو ربّ العالمين المؤمنين منهم وغير المؤمنين.

من هذا المؤتمر، نطالب الوزارات والمرجعيّات المختصّة بإدراج وسائل الإعلام وتقنيّاتها في المناهج التّربويّة وفي مختلف المراحل الدّراسيّة، فأبناؤنا يستحقّون منّا أن نبدأ بتنظيم هذه الفوضى الإعلاميّة، فيتربّى جيل قادر على الاختيار، قادر على التّمييز بين الخير والشّرّ، مؤمن أنّ الأديان هي وسيلة لنشر السّلام، مدركٌ أنّ العيش معاً ممكن وأنّ العيش المشترك هو مستقبل الشّرق والغرب.

أكتفي بالقول إنّ تيلي لوميار ونورسات استطاعتا أن تجمعا المسيحيّين وغير المسيحيّين من حولها، وأن تكون مقبولة من المسلمين قبل المسيحيّين كي نقول إنّ للإعلام دورًا كبيرًا بتعزير حوار الأديان.

وأنهي بالقول: "ويلٌ لوطن إعلامُه يقيم قلّة الأدب مكان الأدب"."