ثلاثة أعوام على انفجار المرفأ والحقيقة "مفقودة"
قبل ثلاثة أعوام كانت بيروت عروس الشّرق، وبعد ثلاثة أعوام ها هي العروس لا تزال تحاول أن تنهض وتنفض عنها الغبار، وتخرج من قعر مستنقع الأزمات الّذي غرقت به وغرق معها الوطن بأكمله. هي وبفضل همّة أبنائها وأصحاب الأيادي البيضاء تحاول اليوم الوقوف والعودة إلى عرشها المسلوب، إلّا أنّ السّواد والحزن لا زالا يلفّانها، والمجهول يقودها، والحقيقة الّتي يختفي وراءها سيناريو هذه الجريمة من ألفها إلى يائها لا تزال في مخاض تمامًا كحال البلاد.
إذًا ثلاثة أعوام مضت بلمحة، والحقيقة مكانك راوح. حقيقة يتوق إليها شعب بأكمله، حقيقة يحاول أهل الضّحايا كشفها مهما كان الثّمن لتستكين أرواح أبنائهم الّذي قضوا في ذاك الانفجار من دون أن يرتكبوا أيّ ذنب. حقيقة يعمل على استنباط خباياها المتخفّية وراء الحصانات عسكر ولا كلّ عساكر الأرض، عسكر من الأهل الجادّين في قضيّتهم، والمصرّين على فكّ شيفراتها بكلّ السّبل المتاحة فلا يذهب دم أبنائهم سدىً.
ثلاثة أعوام مضت، ولكن منذ السّاعة السّادسة والسّبعة دقائق من مساء الرّابع من آب/ أغسطس 2020، وها هي عيون أمّهات الشّهداء لم تجفّ دموعها بعد، وقلوب آبائهم تحترق ألف مرّة كلّ يوم، وهمّة أخواتهم وإخوتهم لا تتوقّف، فتراهم يناضلون لمحاسبة المجرم، وجفون كلّ هؤلاء لا تغفو إلّا على أمل رؤية شهيدهم بالمنام.
ثلاثة أعوام مضت سمع خلاله اللّبنانيّون وعودًا كثيرة، وتطمينات كبيرة، إلّا أنّ حالهم اليوم هو حال الباقي "على الوعد يا كمّون". غير أنّ وعد عائلات الضّحايا بالمحاربة حتّى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة هو ذاك الوعد المنتظر، وعد الشّرف والنّزاهة والوطنيّة الحقّة.
وبعيدًا عن كلّ زعامات الأرض الفانية ووعود أسيادها الكاذبة، لا بدّ من أن يستجيب الله لصرخات هؤلاء ودعوات الأمّهات والآباء وإصرار شعب تعب من اللّف والدّوران، ومن الكذب والكلام... لا بدّ من أن تتحقّق عدالة السّماء على هذه الأرض فتحترق العنابر الّتي تتخفّى وراءها منظومة الفساد هذه، وتهلك الشّرّير الّذي يوقد نارها، وتدفن عفن زعامات ما كفّت شرّها عن وطن الأرز منذ عقود وعقود.
هو الرّابع من آب/ أغسطس نعم، يوم حداد وطنيّ على أرواح ضحايا شهداء سقطوا رغمًا عنهم لتبدأ بفضلهم مسيرة النّضال حتّى انجلاء كلّ الحقيقة، فعسى ألّا يتحوّل هذا التّاريخ إلى مجرّد ذكرى سنويّة، بل أن يكون بابًا نحو لبنان جديد، نحو ولادة جديدة.