تجلّى وأظهر مجده.. فلنسمع له!
لم يكتف يسوع بأن يتجلّى لهم بكامل مجده الإلهيّ، فـ "تَرَاءَى لَهُم إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوع" (مر 9: 4)؛ موسى أوّل الأنبياء ومؤسّس شعب الله المختار والمؤتمن على لوحيّ الشريعة، وإيليّا المدافع الغيور عن هذه الشريعة وهذا الإيمان. هذان النبيّان هما رمز الإيمان، عانا الكثير وبسخاء، ونجحا في حمل الشّعلة بأمانتهما لدعوتهما وإيمانهما القويم الثّابت بدعمٍ إلهيّ فائق للطّبيعة. أراد يسوع أن يثبت لتلاميذه أنّهم حلقة في سلسلة القدّيسين، وأنّ عليهم أن يُكمّلوا مسيرة أسلافهم، وألّا يخافوا فالله سينصرهم، هو الحاضر مع شعبه أبدا، إذ أنّ إكليل المجد يأتي من إكليل الشّوك.
أمام مشهد التجلّي، وبعد أن استولى الخوف والانبهار على التّلاميذ، تكلّم بطرس قائلًا "رَابِّي، حَسَنٌ لَنَا أَنْ نَكُونَ هُنَا! فَلْنَنْصِبْ ثلاثَ مَظَالّ، لَكَ واحِدَة، وَلِمُوسَى واحِدَة، ولإِيليَّا واحِدَة" (مر 9: 5) محاولاً التملّص من المسؤوليّة، أو على الأقل تأجيل الأحداث. وفي تلك اللّحظة ظَهَرَتْ غَمَامَةٌ تُظَلِّلُهُم، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ الغَمَامَةِ يَقُول: "هذَا ابْنِي الحَبِيب، فلَهُ اسْمَعُوا !"(مر 9: 7).
الله، عالم القلوب والنّفوس والعارِف بضعفنا وخوفنا وتردّدنا، يتجلّى لنا اليوم أيضًا كما تجلّى للتّلاميذ ليطمئنهم.. ها هو يطمئننا بوجوده الدّائم معنا في القربان والإنجيل المقدّس، لنستمدّ منهما القوّة والحكمة ونعي إلتزامنا المسيحيّ ونحمل الصّليب ونكمل مسيرة الخلاص من دون خوف وذعر، فنخوض غمار الحياة الرسوليّة ونبشّر بالمحبّة والسّلام.