بين أميركا والشّرق.. مفارقةٌ تاريخيّة
الحدث اليوم ضئيلةٌ أهمّيّته بالنّسبة إلينا كعرب أو تحديدًا كلبنانيّين، فما عسى يكتب القلم عن هكذا موضوع بات تاريخًا حضاريًّا قديمًا منسيًّا في دفاتر أولويّات السّياسة والحروب؟
إلّا أنّ هذا الحدث دفع إلى المخيّلة والفكر تساؤلات وجوديّة تضع الشّرق وخصوصًا العالم العربيّ في إشكاليّة بين التّقدّم والتّراجع.
هي القارّة الأميركيّة بجزأيها الشّماليّ والجنوبيّ، هي التي كانت قديمًا معدومة الوجود، هي التي كانت رقعة لا يزورها سوى اللّيل الدّاكن والضّباب الأعمى والرّياح العاصفة.
هو الشّرق الأوسط، هو العالم العربيّ، هما اللذان طبعا التّاريخ بأسمى الأحداث، ورسما الحضارة بأعتق أصالة، هما متمسّكان بأراضٍ مجبولة ترابها بالعزّو القدم والقداسة، أراضٍ شهدت على تعاقب الحضارات والإمبراطوريّات، أراضٍ استقبلت المسيح ولاقت شخصيّات التّاريخ، أراضٍ روتها أفراح الانتصارات ودماء الحروب.
وهنا تتجلّى المفارقة، فما كان مفقودًا قديمًا بات اليوم موجودًا بقوّة خارقة على السّاحة السّياسيّة والإقتصاديّة العالميّة، فأميركا هي حاليًّا من أكبر وأعظم القوّات العسكريّة والماليّة، هي التي تدير العالم بأيادٍ مخطِّطة دبلوماسيّة واثقة، تتدخّل بشؤون الدّول الخارجيّة، تُسقط الأنظمة، تبدّل الأحداث وتطبع السّياسات.
في حين، أنّ ما كان متسلّحًا تاريخيًّا بالقوّة الحضاريّة، سلاح الازدهار، بات اليوم عنوان التّراجع والسّطحيّة والخضوع والضّعف، قلّما يهتمّ بالعلوم والتّكنولوجيا متمسّكًا بقواعد تقليديّة توقف الزّمن وتعطّل الفكر.
في مقارنة سريعة متشائمة نظرةٌ إلى الأفق البعيد المستقبليّ، فهل سيشهد عالمنا اتّساعًا إضافيًّا للهوّة بين الغرب المتقدّم والشّرق المتراجع؟