اللهمّ اجعل حظّي مع الضحايا وليس مع الجلّادين
هذه هي تيولوجيا وأنتروبولوجيا الخلاص، اللهمّ اجعل حظّي مع الضحايا وليس مع الجلّادين لأنّ الضحيّة تفتدي ذاتها وتفتدي جلّاديها.
يا وطني الحبيب يا لبنان، ستفتدي بعذابك وآلامك وأوجاعك جلّاديك جميعهم. هذا هو ثمن الحرّيّة والمحبّة وقبول الآخر المفترق واحترامه. هذا هو ثمن التنوّع والتعدّديّة وكرامة أي شخص بشريّ من دون النظر إلى دينه أو لونه أو عرقه أو وطنه أو طائفته. هذا هو الموقف الأنتربولوجيّ العميق لاحترام الشخص البشريّ. هو الموقف الأساسيّ للفكر الوجوديّ الشخصانيّ المسيحيّ.
في تراث الفكر التأسيسيّ للوجود اللبنانيّ هو الاستناد إلى الميثة mythe ميثة طائر الفينيق وميثة أدونيس ولكنّ المسيحيّة تكمّلها بحقيقة الإيمان بموت المسيح وقيامته.
في البدايات اللبنانيّة كانت ثنائيّة تواجد البحر والجبل ومعهما السهل ركائز أساسيّة للأنتروبولوجيا الوجوديّة اللبنانيّة في تكوين الشخصيّة اللبنانيّة المميّزة. لكن، يجب أن نعرف أنّ البحار والسهول والصحاري والثلوج والجبال موجودة في جغرافيا العالم كلّه لكنّ الذي يميّز الوجود اللبنانيّ ويجعله فريدًا من نوعه، هو القرب الكبير لهذه المكوّنات من بعضها البعض وهذه هي الخصائص اللبنانيّة.
نحن لا نخاف على لبنان لأنّ المحبّة هي أساس القيامة فيه ولو أنّه احترق بالنار فهو سيقوم إلى الحياة كطائر الفينيق وكذلك أدونيس ولو قتله الوحش وسال دمه في الجبال ونبتت من دمه مع الربيع شقائق النعمان فسيقوم أدونيس مجدّدًا إلى الحياة والحبّ والجمال وكذلك المسيحيّ، ولو صلبوه وقتلوه فسيغفر وفي اليوم الثالث سيقوم كما المسيح ويبني عالم السلام والمحبّة والاحترام والعطاء والفداء.
لذلك، لم يختر اللبنانيّ يومًا دور الجلّاد لكنّه اختار المحبّة والفرح والسلام والتلاقي بين الناس وفي تتابع الفصول اللبنانيّة رسالة تقول إنّنا بالعبور والتحوّلات والثابت الوحيد هو الله وعيش المحبّة والأخوّة والسلام ليبقى لبنان وطن التلاقي والضيافة.
لهذا، نحن نصلّي مع قداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة لنا ونطلب من الربّ أن يساعدنا على اجتياز هذه المحنة الصعبة بسلام.
في النهاية أريد أن أشكر قداسة البابا فرنسيس على رسالته الأخيرة الرائعة إلى أبناء الكنائس الشرقيّة ولبنان وقد بكى غبطة أبينا البطريرك بشارة الراعي عند الانتهاء من قراءتها من كثرة تأثّره، لفيض المحبّة فيها.