دينيّة
06 تشرين الثاني 2024, 14:00

الفرح في الربّ

تيلي لوميار/ نورسات
الأب أنطونيوس مقار إبراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

"كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم" (يو 15: 11)

الفرح حالة من المشاعر تتدفَّق داخل الإنسان في مناسبات فَرِحة، تأتي مثلًا من كلمات تُسرّ القلب أو هدايا مرئيّة ملموسة. الإنسان الممتلئ فرحًا هو القادر على قبول ظروف مسيرته الحياتيّة. نحن في صلواتنا ننشد، مع العذراء، نشيد الفرح والخلاص، وفي تناولنا للقربان المقدّس، نرفع صلاتنا ونقول "قد امتلأ قلبنا فرحًا وفمنا تهليلًا".  

ومن أجل الاستمرار في حالة الفرح هذه، علينا أن نطلب باستمرار نعمة التمييز بين الفرح الحقيقيّ المتولّد من حضور الله في حياتنا، وبين الفرح الموقّت والمزيّف المتأتّي من إشباع النزوات والشهوات، والعالم اليوم ممتلئ بالترويج لطرق اللهو والترويح عن النفس، والبحث عن المتعة.  

أمّا فرحنا في الربّ، فهو التلذّذ بكلمته وعيش وصاياه والمشورات الإنجيليّة وممارسة الفضائل وعلْمِنا الدائم أنّ العالم وشهواته يزولان أمّا الذي يصنع إرادة الله فيدوم "إن أحبّ أحد العالم فليست فيه محبّة الآب" (رسالة يوحنّا الأولى).

لأنّ ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العين وتعظّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته تمضي، وأمّا الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد (1يو 2/ 16).

الفرح بالنسبة إلينا، هو فرح القلب المتأصّل في معرفة الله والثبات فيه بقوّة الروح القدس.

في ميلاد الربّ يسوع أعلنت الملائكة للرعاة بشرى الفرح (لو 2: 10)، والرعاة فرحوا وتركوا رعيّتهم وانطلقوا إلى حيث توقّف النجم، والعذراء مريم ابتهجت روحها وردّدت نشيد تعظيم الربّ وارتكض الجنين يوحنّا في بطن أمّه أليصابات.  

جسّد يسوع المسيح الفرح في خدمته."تهلّل يسوع بٱلرّوح" (لو 10: 21)، وهو تحدث عن فرحه لمّا قال "أراكم فتفرحون، ويدوم فرحكم فيّ" (يو15: 11)، علاوةً على انعكاس الفرح في العديد من أمثال يسوع، كما في مثل الخروف الضال، أو الابن الشاطر...

نقرأ في العهد القديم عن إخبار نحميا بني إسرائيل التائبين أنّ فرح الربّ سيكون قوّتهم (نح 8: 10). كذلك الكنيسة الأولى  تمتّعت بفرح الربّ (أع 2: 46؛ 13: 52)، وصار الفرح في الروح القدس هو علامة مميّزة لملكوت الله (رو 14: 17). وتحدّثنا الرسالة إلى أهل غلاطية عن أنّ الفرح هو ثمر الروح (غل 5: 22-23).  

بالتالي، واجب علينا أن نفرح بالربّ "في المسيح تبتهجون بفرحٍ لا ينطق به ومجيدٍ" (1بط 1: 8).

قد يكون فرح الربّ غير مفهوم لمن لا يمتلكه. لكن بالنسبة  

إلى المؤمن بالمسيح، فإنّ هذا الفرح يأتي بشكل طبيعيّ كالعنب على الكرمة. عندما نثبت في المسيح، الكرمة الحقيقيّة، فإنّنا نحن الأغصان نمتلئ من قوّته وحيويّته، والثمر الذي ننتجه هو عمله، بما في ذلك الفرح (يو 15: 5).

ساعدنا ربّنا كي نفرح على الرغم من الظروف الصعبة المحيطة بنا. علّمنا أن ننظر إليها بنظرك أنتَ لكي نحيا في سلام. أعطنا أن نرى الناس من حولنا في فرح دائم بك.