ثقافة ومجتمع
08 أيلول 2016, 08:40

الصّحافة "سلطة رابعة"

ماريلين صليبي
"لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، تقوم على احترام الحرّيّات العامّة وفي طليعتها حرّيّة الرّأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل ]...[ النّظام قائم على مبدأ الفصل بين السّلطات وتوازنها وتعاونها."


هما عبارتان مقتطفتان من مقدّمة الدّستور اللّبنانيّ تشكّلان باقةً تظهر طبيعة الحكم في لبنان القائمة على ديمقراطيّة تتشاركها سلطات ثلاث: تشريعيّة، تنفيذيّة، قضائيّة.
إلّا أنّ "سلطة رابعة" تتألّق في ساحة الدّيمقراطيّة هذه، سلطةٌ كثرٌ هم من أطلقوا تعبيرها ومعانيها ومفاهيمها في كتاباتهم ومؤلّفاتهم.
هي سلطةٌ أهمّيّتها الإقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة جعلتها جزءاً من الحياة الوطنيّة.
هي التي تظهر قوّة فريدة في عمليّة الاتّصال الجماهيريّ وتتمتّع باستقلاليّة تبسطها على روّادها.
تزرع بذور المعرفة الواسعة والوعي الفكريّ وتسقيها أخبارًا منوّعة ومفيدة تولّد براعمَ قاعدة شعبيّة تنضج فتصبح ثمارَ الرّأي العامّ الضّاغط.
حكمُ تأثّرها وتأثيرها بالظّروف الطّبيعيّة والبيئيّة والشّخصيّة وبالحالة الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة عزّز دورها في فتح النّقاشات حول القضايا التي تهمّ الشّأن العامّ وفي تحريك المياه الرّاكدة.
هي التي تراقب مدى قيام السّلطات الثّلاث المذكورة أعلاه بواجبها، لتتألّق بالتّالي وسيطًا بين الدّولة والشّعب، وممثّلةً الثّانية أمام الأولى ووسيلةً للمعارضة والمساءلة والمحاسبة.
هي سلطة عناوينها العريضة ومبادئها الأساسيّة هي الحرّيّة والتّكامل والموضوعيّة والوضوح والشّجاعة والمصداقيّة.. هي سلطة الصّحافة!
الحرّيّة إذًا هواء الصّحافة المحيي الذي بغيابه يكبَّل دورها ويُعقَد لسانها النّاطق ويَصمُت بوقها الصّارخ.
الموضوعيّة شرط أساسيّ من شروط العمل الصّحفيّ، إذ إنّ الأخبار والتّغطيات والتّحاليل التي يدوّنها القلم النّاقد يجب أن تكون مجبولة بالحياديّة السّياسيّة والدّينيّة والطّائفيّة والعقائديّة والمناطقيّة لتصل بشفافيّة ووضوح إلى كلّ شرائح المجتمع.
الوضوح من جهته ضروريّ لأنّ المواضيع الصّحفيّة موجّهة إلى المستوى الشعبيّ الواسع، بكلّ فئاته العمريّة والكفاءات العلميّة والفكريّة، لذا يجب أن تكون الأخبار بعيدة عن الملابسات والمطبّات المعنويّة.
المصداقيّة واجب الصّحافة الأوّل، فهي مرآة المجتمع، تنقل أخباره بدون تغيير أو تكذيب أو زيادة أو نقصان.
الشّجاعة بدورها وسام يحمله الصّحافيّ في تغطياته الحربيّة الخطيرة، فالصّحافة واحدة من أخطر المهن التي فيها يضع الصّحافيّ الشّجاع الإنسانيّة ومصلحة الوطن والخبر والمهنة فوق كلّ الاعتبارات.
بهذا كلّه إذًا، تصل الصّحافة إلى التّكامل المرجوّ، تكامل في العلاقة بين الصّحافيّ والشّعب والسّلطة، علّ يكون الكلام المعسول هذا مطبّقًا على أرض الواقع في ظلّ دوّامة الفساد والانحطاط والتّبعيّة التي نشهدها.