28 أيار 2014, 21:00
الصعود: انفصال، وعد بالعودة وبالروح القدس
(الأب يونان عبيد) \"خرجت من الآب وأتيتُ الى العالم وأيضًا أترك العالم وأمضي الى الآب\"(يو 16: 28)
\"ذهبَ يسوعُ بتلاميذه الى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفصل عنهم وصعدَ الى السماء
أما هم فسجدوا له ثم عادوا الى أورشليم بفرحٍ عظيم وكانوا في الهيكل بدون انقطاع يُسبّحون ويباركون الله\" (لوقا 24: 50 ـ 53)
\"ذاك الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق السمَوات كلّها ليُتمِّمَ كلَّ شيء\". (أفسس 4: 10)
تاريخيًا، بدأ الاحتفال بهذا العيد سنة 370. ومنذ ذلك الحين كان المسيحيون يحتفلون بالصعود بعد ظهر يوم العنصرة على جبل الزيتون. ثم انتشر في كل العالم المسيحي، وبخاصة في جنوبي فرنسا سنة 506. وفي بعض الكنائس تطفأ في ذلك اليوم شمعة الفصح التي ترمز الى حضور القائم من الموت، لتذكّر المسيحي ان هذا الحضور يجب أن يكون حضورًا باطنيًا بعطية الروح القدس.
سُمِّيَ "الصعود" نسبة الى النـزول الذي تمَّ بالتجسد. ونقول في قانون الإيمان: "من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء...".
يهدف الصعود الى انهاء فترة الظهورات التي تمت على الأرض بعد القيامة. وإذا صعد يسوع الى السماء فلكي يرسل روحه ليحلّ محلّه من بعده لدى التلاميذ. ومثلما خيَّم الظلام على أثر الصلب، كذلك بالصعود أطلَّ صباح جديد مشرق. وهذا يعني، ان يسوع بالصعود، دخل في مجال أبيه السماوي، واستقرَّ في مجده الذي كان له، وعبّر بطريقة منظورة ما تحقّق في القيامة. فبصعوده لم يشأ المسيح أن يتخلى عن تلاميذه، بل بالعكس، فقد أرسل إليهم الروح القدس ووعدهم بأن يكون معهم ليعلنوا للعالم كلمة إنجيله. في هذا المعنى، لا يمكن اعتبار الصعود عملية وداع من يسوع لتلاميذه، بل هو عيد الضمانة لحضور جديد وثابت.
الصعود في الكتاب المقدّس
أ. في التاريخ القديم والتوراة: عرف العالم القديم تعظيم أبطال أسطوريين "اختطفوا" الى السماء بعد موتهم مثل هرقل ورمولوس. كما عرف "رحلة سماوية" عاشها بعض الأشخاص المميزون الذين عاشوا انخطاف النفس. ولكن الموضوع الأكثر انتشارًا ظلّ موضوع "الاختطاف" الى السماء. وهذا ما عرفناه عند أشخاص عظماء في التوراة، مثل اخنوخ (تك 5/24) الذي أخذه الله، وإيليا (2مل 2/9 ـ 10) وعزرا وباروك.
ب. في العهد الجديد: حيث نشهد بعض الاختلاف حسب روايات الأناجيل وأعمال الرسل:
•متّى: لم يذكر الصعود في نهاية إنجيله.
•مرقس: تحدث عن المسيح الذي "رُفع" الى السماء وجلس عن يمين الله.
•يوحنا: أشار الى حدوث الصعود يوم القيامة، حيث قال يسوع لمريم المجدلية: "اني صاعد الى أبي وأبيكم". كما أننا نرى الصعود في حوار يسوع مع نيقوديموس (يو 3/13) "ما صعد أحد الى السماء إلا ابن الانسان الذي نزل من السماء"، وفي الحديث عن خبز الحياة يقول المعلّم: "فكيف لو رأيتم ابن الانسان يصعد الى حيث كان من قبل؟" (6/62). فيسوع القائم من الموت يحمل معه البشر في حياةحميمة مع الآب. وبذات الوقت دشَّن ارتفاع الانسان.
•لوقا: أما لوقا فيتحدث عن حدث الصعود بشكل "انفصال": "وبينما هو يباركهم انفصل عنهم" (24/51). وقد تمّ الحدث يوم القيامة على جبل الزيتون. أما في أعمال الرسل (1/9 ـ 11)، فأعطى الإنجيلي الصعود وصفًا آخر: "ارتفع يسوع نحو السماء، فحجبته غمامة عن عيون التلاميذ". وقد تمّ هذا الحدث على جبل الزيتون، بعد أربعين يومًا (أع 1/3)، وكأنّ يسوع يعود الى بيته وقد قدّم لنا لوقا يسوع وكأنه يعود الى "بيته"، أي الى السماء لأنه ابن الله الحقيقي.
استنتاجات
الصعود والرسالة:
ان صعود يسوع يعني المشاركة في المجد والعزة والسلطان والألوهية. وبهذا يتحول العبد المتألم الى سيّد الكون. كما انه النهاية المجيدة لعمل يسوع، والبداية الجديدة لحضوره الجديد في التلاميذ المنطلقين الى الرسالة. وهكذا يتكامل الصعود والرسالة، علمًا ان يسوع قبل الصعود يأخذ على تلاميذه قلة إيمانهم، ومع ذلك، فإنه يكلفهم بالرسالة.
من الصليب الى السماء:
بالصعود، يظهر يسوع بأنه الانسان الجديد الذي يفتح الأبواب للانسانية الجديدة. انه الرب الذي يمارس سيادته الكونية على المسكونة كلها، من خلال الكنيسة. لأن الصعود لا يُفهم إلاّ من ضمن وحدة السر الفصحي. فالقيامة والصعود والعنصرة يشكلون ثلاثة أوجه لسر واحد، هو يسوع المسيح.
الصعود هو تدشين الكنيسة كمؤسسة وسرّ:
بالنسبة الى لوقا، ان مشهد الصعود الذي ذكره لوقا في أعمال الرسل، يشكل التدشين الاحتفالي للكنيسة. فيسوع القائم من الموت ترك الأرض ليدخل في بُعد آخر، هو البعد الاسكاتولوجي الذي دشنه عندما قهر الموت. فمع الصعود يبدأ زمن الكنيسة: "يسوع هذا الذي صعد عنكم الى السماء سيعود مثلمارأيتموه ذاهبًا الى السماء" (أع 1/11). لهذه الكنيسة التي يشير إليها لوقا، خطوطها العريضة وبنيتها الأساسية القائمة على: الرسل، وعلى الروح القدس الشاهد والشارح لكلام الله، وعلى الناس المنتشرين في العالم. انها الكنيسة السرّ والموهبة، المؤلَّفة من أشخاص ومن الروح القدس.
وإذا رجعنا الى لوقا ومتّى وبولس نستنتج كنيستين: الأولى منظورة (لوقا ومتّى) والثانية روحية (بولس)، وهذا يعني أمرَين: الكنيسة المؤسسة، والكنيسة السرّ.
خلاصة:
تدعو ذكرى الصعود كل مسيحي، لأن يتطلّع الى البيت السماوي الذي ينتظره واستحقه بالقيامة في حال عرف كيف ينظر الى عالمه الزمني، الذي منه ينطلق للحصول على العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه.