الربّ يرفعك بقدر تواضعك
"أخي الحبيب، إذا أعطاك الله موهبة من مواهبه الروحيّة، ابتهل إليه أن يعطيك معها هبة التواضع.
الله يعطي مواهبه للمتواضعين، لأنّه يعرف أنّها لا تؤذيهم، لأنّهم لن يتكبّروا.
الله يكشف أسراره للمتواضعين، الذين كلّما زادهم الله مجدًا، زادهم انسحاقًا.
لقد أتقن القدّيسون الاتّضاع بصورة عجيبة.
لنتأمّل بسيرة حياة القدّيس العظيم أنطونيوس الكبير، عندما كان الشياطين يحاربونه في عنف، كان يردّد عليهم باتّضاع قائلًا: "أيّها الأقوياء، ماذا تريدون منّي أنا الضعيف، وأنا عاجز عن مقاتلة أصغركم!" وكان يصلّي قائلًا: "إنقذني يا ربّ من كلّ هؤلاء الذين يظنّون أنّني شيء، وأنا تراب ورماد...".
عندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتّضاعًا كانوا يقشعرّون ويختفون كالدخان.
ليس التواضع أن تشعر بأنّك كبير أو عظيم، وتحاول أن تتصاغر أو أن تخفي عظمتك... التواضع الحقيقيّ هو تواضعٌ أمام نفسك والشعور أنّك ضعيف وخاطئ، حتّى في عمق قوّتك، تشعر أنّ القوّة ليست منك، إنّما هي منحة سماويّة من الله لك...
أخي الحبيب، إنّ المتواضع الوحيد هو الله.
الله هو الكبير الذي يتنازل ويكلّمنا، وهو القدّوس الذي ينحدر ويعاملنا.
لا تسعى أخي الحبيب وراء الكرامة وتذكّر قول القدّيس إسحاق السريانيّ: من سعى وراء الكرامة، هربت منه، ومن هرب منها بمعرفة، سارت وراءه.
المتواضع يعيش في سلام مع الكلّ، لا يغضب ولا يثور ولا يلوم أحد بل يلوم نفسه...
بفضل ذلك فالله يباركه، ويرفعه ويمنحه المجد.
باركك الله، وليملأ فراغ قلبك بحبّه ويرفعك من مجد إلى مجد، له الشكر الآن وإلى الأبد، آمين."