ثقافة ومجتمع
11 أيار 2015, 21:00

الحق ّ في التقاعد والحماية الاجتماعية

(مجلة الصحة والانسان) كما هو معلوم، ترتكز سياسة الحماية الاجتماعيّة في التشريع اللبناني بشكل أساسي على قانون الضّمان الاجتماعي الذي صدر بموجب المرسوم رقم 13955 سنة 1963. وقد أنشأ القانون المذكور الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والذي يشمل حاليّاً ثلاثة فروع أساسيّة: فرع المرض والامومة وفرع التعويضات العائلية وفرع تعويضات نهاية الخدمة، علماً أن القانون قد نصّ أيضاً على إنشاء فرع طوارىء العمل، إلاّ أن هذا الأخير لم ير النور عمليّاً.

وفي العام 2001، تقدّ م رئيس اللجنة الفنيّة للصندوق بمسودّة قانون بهدف الانتقال من فرع ضمان تعويضات نهاية الخدمة إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية والمعروفة "بنظام الشيخوخة"، موضوع دراستنا الحاضرة على أثر بلورة وموافقة مجلس الوزراء مضمون المسودّة، تمّ إحالتها في العام 2004 إلى اللجان النيابية التي بدورها طرحته على الهيئة العامة لمجلس النواب بعد 4 سنوات من الدّ راسة. وحتى اليوم، لا يزال مشروع قانون "يشبّع" دراسات ومراجعات ونقاشات، آخرها دراسة اكتواريّة - أي تقويم إحصائي يعتمد على معدّلات وآمال الإعمار، أعدّها خبراء منظّمة العمل الدّوليّة قضت بإقتراح بعض التوصيات والتعديلات على مشروع القانون.
لا تزال التشريعات اللبنانيّة إذاً خالية حتى تاريخ كتابة هذهِ الاسطر من أية أحكام تكرّس الحق في الاستفادة من نظام تقاعد وحماية إجتماعيّة يوفّر ضماناً صحياً وراتباً تقاعدياً مدى الحياة بعكس ما تقتضيه سياسة حماية إجتماعية فعّالة وشاملة.
فيما خال أحكام وبنود قانون الضمان الاجتماعي، وكما أشرنا سابقاً، تخلو التشريعات الحالية من أي أحكام تتعلّق بالحقّ في الحماية الاجتماعية والتقاعد، ولذلك تمّ إعداد مشروع القانون يقضي بتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية من خلال إستبدال نظام تعويض نهاية الخدمة بالنظام المذكور والتي أنهت اللجان النيابية دراسته وفق ما أشرنا إليه أعلاه. وأهمّ الاصلاحات التي يقترحها مشروع القانون، أنشأ نظام للتقاعد والحماية الاجتماعيّة، ليحلّ محلّ نظام تعويض نهاية الخدمة في جميع حقوقه وإلتزاماته وهو يوفّر التقدميات الآتية:
• معاش التقاعد
• معاش العجز
• معاش خلفاء المضمون
• تقديمات ضمان المرض والأمومة
وتكمن أهميّة المشروع أنّهُ "يوفّر ضماناً صحيّاً وراتباً تقاعدياً مدى الحياة، ولهُ أثر إيجابي ملحوظ على الدّخل المنظّم للعاملين في القطاع الخاص، وذلك عبر توفير الدّخل الآمن لهم عبر معاش تقاعدي يكون متوقّعاً وثابتاً.
كما سيعزّز هذا "الإصلاح" إنتظام مساهمات وإلتزامات أرباب العمل في منظومة الضّمان الاجتماعي، كذلك سيساعد نظام التقاعد الجديد من جرّاء ضمان حقّ العامل بكامل تعويضاته التقاعديّة، على إمتداد مسيرته المهنيّة في تسهيل الانتقال بين الوظائف.
يوفّر النّظام للمضمون معاشاً تقاعديّاً لكلّ من بلغ الرابعة والسّتين من العمر، كما ينظّم آليّة التقاعد المبكر لكلّ مضمون أكمل الثامنة والخمسين من عمره، ويكون في وضع جسدي أو عقلي لا يمكنهُ من ممارسة عملهِ دون أن يلحق أذى خطيراً بصحّتهِ، وتكون عدم أهليّتهِ للعمل قد ثبتت طبياً.
كما يكفل مشروع القانون حقّ المضمون في معاش العجز في حال أصابهُ عجزاً دائماً أو كلّياً، جسدياً أو عقلياً، غير ناتج عن طارىء عمل، أو مرض مهني ومن شأنهِ تخفيض قدرتهِ على العمل أو الكسب بنسبة الثلثين، ويمنعه من ممارسة أي عمل يؤمّن كسباً.
فضلاً عن ذلك، ينظّم المشروع كيفيّة تحديد وشروط الاستفادة من قيمة المعاش التقاعدي لخلفاء المضمون، وهو أبقى على الأحكام المعمول بها حاليّاً لجهة تقدميات المرض والأمومة.
وقد حدّد مشروع القانون مصادر تمويل "نظام التقاعد والحماية الاجتماعيّة" كما نصّ على مجموعة أحكام وتدابير ترعى المرحلة الإنتقاليّة: وأوجب تنفيذ دراسات للوقوف عند الوضع المالي للصندوق بصورة دوريّة وأنشأ لجنة المراجعة الحبّية تنظر في النّزاعات ذات الطّابع المالي والإداري التي يثيرها تطبيق أحكام القانون وعن لجنة إستثمار تتولى توظيف أموال الصندوق لآجال قصيرة ومتوسّطة وطويلة: فضلاً عن تعديل كيفيّة تشكيل مجلس إدارة الصندوق. أخيرا نشير الى أن التأخير في أعداد مشروع قانون الشيخوخة لأكثر من 50 عاماً يعود بالأساس إلى الحفاظ على التبعيّة السياسية المبيّنة على الزّبائنيّة، أي التي تجعل المسن مرتبطاً بالزّعماء الذين يتكفّلون مساعدتهُ مادياً وصحيّاً مقابل ولائه السياسي وولاء أولاده، لذلك فإنّ تأمين شيخوخة لائقة يحرّر الفرد من هذهِ السلطة، ليعيد بناء قناعاتهِ السياسيّة وفق معايير سليمة.
على هذا الأساس ندعو إلى التصويت للمرشحين للإنتخابات وفق برامج إقتصاديّة وإجتماعيّة وسياسات إنمائيّة.