دينيّة
02 تشرين الأول 2024, 09:00

الحريّة المسيحيّة!

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب باسيليوس محفوض خادم عائلة كنيسة الصليب المحيي للروم الارثوذكس في النبعة

 

الحريّة المسيحيّة ليست فعلًا أخلاقيًّا أو أدبيًّا بل هي طبيعة جديدة للإنسان يتصّف بها عندما ينعتق من عبوديّة الخطيئة والموت وهذا التحرير لا يأتي أو لا يبلغه الإنسان إلّا بالموت والموت هو وحده يحرّره من الخطيئة. هذا ما قدّمه يسوع المسيح لنا بموته على الصليب، هو الإله الذي لم يعرف الخطيئة، تجسّد لأجلنا وشابهنا بكلّ شيء ما عدا الخطيئة لأجل أن يحرّرنا من سلاسلها، "فإنّ الذي لم يعرف خطيئة، جعله الله خطيئةً لأجلنا، لنصير نحن برّ الله" (2 كو 5: 21).  

السبيل إلى الحرّيّة لكلّ مسيحيّ هو صليب المسيح الذي عليه أن يساهم فيه باشتراكه في الآلام. هكذا، يتبرّأ الإنسان من العالم ومن نفسه عن طريق الصليب وكثيرًا ما يُنصب الصليب على طريقنا.  

الصليب موجود في كلّ ألم تجلبه لنا الحياة، وفي هذا الصدد، يقول الرسول بولس:"أُسرّ وأفرح في شدائدي".  

الحرّيّة المسيحيّة إذًا ليست تحمّل الآلام بصبر وكبرياء بل هي السكينة وطمأنينة الفكر وسط أشدّ أنواع العذاب وهي كائنة في أعماق الإنسان حيث لا يصل إليها القلق. إذًا، الحرّيّة هي حالة سعادة حقيقيّة وفرح وشكر في كلّ حين على كل شيء. وهكذا، أضفت الحرّيّة في المسيحيّة أبهى صورة للأخلاق البشريّة وبها ارتفع مستوى حياة الإنسان. لذلك، تتجلّى الحرّيّة في المسيح في أعلى مراحلها التي تتطلّب منك، أخي، في الربّ، حتّى أن تتخلّى عنها كليًّا من أجل خلاص الاخرين  "فأنا كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الاكثرين"(1كورنثوس 9 –19).

أخي في الربّ، في المسيح، أنت صرت تأكل أي طعام حتّى لو كان أخوك يحتسبه نجسًا في ضميره ولكن إن كنت بطعامك هذا تحزن أخاك صارت حرّيّتك إثمًا وقتلًا للمحبّة، لذا الحرّيّة المسيحيّة (الحقّة) تبلغ منتهى كمالها وشجاعتها ونقاوتها في التضحية بذاتها من أجل خلاص الإنسان الآخر. لذا، إذا أدركت الحرّيّة الحقّة الكبرى، فهي فيك الحياة... فإذا انتقل الله الذي فيك إلى الآخرين، لا ينتقل معه أيّ شيء آخر. حسبك أن تعيش هذه القلوب وأنت تتوارى، المهمّ أن يظهر الله وحده "حتّى إذا غدونا إلهيّين يكون الله الكلّ في الكلّ ويستقيم الوجود"(المطران جورج خضر).

إذًا، المسيح يدعو كلّ إنسان إلى الحرّيّة، إلى الكرامة الحقيقيّة فلن يكون الإنسان في كرامة حقيقيّة إلا إذا كان حرًّا في تفكيره وتصرّفاته من سيطرة أحكام الناس عليه وآرائهم فيه. وأيضًا يدعو المسيح كلّ إنسان إلى معرفة حقيقيّة لذواتهم. نحن في زمن يمكن بسهولة أن يفقد الإنسان حرّيّة التفكير وحرّيّة التصرّف النابعة من صورة الله ومثاله، وأن يصير عبدًا لأحكام الناس في كلّ شيء ولكن، ليدرِ الإنسان أنّه، في هذا، أنّه يسير في طريق العبوديّة.

في الخلاصة، نحن قوم مدعوّون إلى الحرّيّة كما يقول بولس الرسول:" قد دعيتم إلى الحرّيّة" (غلاطية 5- 13).