ثقافة ومجتمع
29 آب 2016, 19:44

الإنسانية الضائعة للأب بشارة الأنطوني

ما أصعب الحياة عندما ترى أشخاصًا يبحثون عن لقمة الحياة في سلّة المهملات. نعم إنّها الحياة القاسية التي تولّدها الحروب، فيصبح الإنسان، الكائن الأعظم على وجه الأرض، أدنى بدرجات من الحيوانات الموجودة في بيوت الأثرياء، التي يأتي إليها الطعام في حينه. أمّا هؤلاء، فلا قدرة لهم لملء معدتهم الخاوية والخالية إلّا من الفتات المرميّة على جانب الطرقات.


والأصعب من ذلك، عندما ترى رجلًا وابنته يبحثان عمّا يأكلانه مع الهررة والكلاب.
إنّها الأنظمة التي تتغيّر وتتساقط، فيتساقط معها أوّلًا الإنسان الفقير والمحتاج والمريض، كما يزداد عدد الفقراء والمعوقين والأيتام والمشرّدين.
فنحن في عصر، يرفض الرّحمة والمسامحة، ويتقيّأ المحبّة والحنان، إلّا في العالم الوهمي، عالم التّواصل الجديد بحيث إذا رأينا صورة، على الشاشة، إختلج لها قلبنا، أكثر بكثير من الواقع، ولوضعنا عليها تعليق أو نقلها إلى حسابنا الشخصي، وكأنّ هذا العمل الجبّار يشبع الجائع بطريقة وهميّة. ولكن، لو عرف هذا الرّجل وابنته أنّ صورتهما ستثير شفقة العالم الوهمي لكانا فضّلا العيش في هذا العالم ورفضا الواقع المؤلم الذي وصلا إليه.
ونحن اليوم أمام مأساة إنسانيّة، وأجيال تتربّى بطريقة غير حضاريّة.
ولكن، يبقى السؤال الأهم، ما عسى أن تصبح هذه الفتاة؟
أيا ترى تهاوت صورة الأب الجبّار أو إنّ مفهوم الأبوّة تعاظم في نظرها؟
سيظهر ذلك مع الوقت والزّمان، لربّما ستصبح رمزًا في المجتمع وتتخطّى كلّ أزمات الحياة لأنها تربّت على الأسى، أم أنّها ستثور على كلّ القيم الأخلاقيّة والمفاهيم الإنسانيّة!
ولكن ما هو تبريرنا اليوم؟ وهل يا ترى سيتغيّر غدًا؟
سأترك علم المستقبل للمستقبل وأستيقظ وإيّاكم من العالم الوهمي والرّقمي إلى العالم الواقعي، لأنّ فيه يتعرف لا بل يكشف الإنسان نفسه، وفي الواقع يظهر الله محبّته وعطفه وحنانه.
أمّا بالعودة إلى هذا المشهد، فما عسانا أن نفعل، وكيف نتفاعل أمام تلك الصورة الجارحة لأنسانيّتنا ولخالقنا، الذي وهبنا الحياة لنعيش فيها بالمجد والكرامة والأخوّة، ولكن إذا ما تحرك الإنسان امام تلك الواقعة، هذا يعني اننا قد فقدنا قيمة وجودنا ونعمة الانسانية الاكبر، اي المسامحة والمغفرة والتعاضض مع اخينا الانسان. قال ابن الإنسان:” من سقى إنسانًا كأس ماء بارد، أجره لا يضيع”، بغض النظر عن لونه ودينه وبلاده، طوبى للإنسان الذي يرى ذاته في الاخرين، ولا ينظر للآخر فقط من خلال إثنيته ومواقفه السياسية والإقتصاديّة والسوسيوبولتيكيّة.