الأهل وتربية الاولاد في عصرنا!
يؤكّدُ القدّيسُونَ المعاصرون أنّ علاقة الأهل مع بعضهم تطبع الكثير في شخصيّة الولد.
ذاتَ يومٍ أُتِيَ إلى الشيخ بورفيريوس بصبيٍّ يُعاني مِن تَوَتُّرٍ دائم، فطلب الأهل مشورة الشيخ لشفاء ابنهم. قال لهم: نَفْسُ ابنِكُم جيّدةٌ جِدًّا، فهي أفضلُ منّي. هو ليس مريضًا (أي ليس لديه مشكلة نفسيّة)، ولكنّه مجروحٌ من الداخل، ومتمرِّد، وذلك بسبب كبريائِكم والعِشْرَةِ السيّئةِ التي لكم. الحلّ هو بتقديس حياتِكم. فلمّا سَمِعَتِ الأُمُّ هذا، أَجْهَشَتْ بِالبُكاءِ لأنّها اعتقدَتْ أنَّ قداسةَ حياتِها أمرٌ مستحيل، وبالتالي ابنُها لن يشفى. فعزّاها الشيخُ بِقَولِهِ إنّ القداسةَ أمرٌ مُمكِن، ولا تتطلَّبُ سوى المحبّةِ والتواضع…
عندما يرى الأولادُ تضحيةَ الأُمّ والأبِ وحُبَّهُما وتفاهُمَهُما، يقدِّرُونَ معنى الأُبُوّةِ والأُمومة. من دون تضحية، يكون دَورُ الأمّ والأب بالنسبة إلى الأولاد كَدَورِ مسؤولي حضانة. إنّ أهمّ فضيلةٍ يعلّمُها الأهلُ لأولادِهم هي أن تتكوّنَ لديهم أوّلًا رُوحُ التضحية. وهذه الروحُ تتطلّبُ إظهارَ فضائلِ المحبّة، والمسؤولية، والتقدير، والأمانة.
يُشجِّعُ القدّيسُ يوحنّا الذهبيُّ الفَمِ الأهلَ على تنشئةِ أولادِهم على الفضيلةِ وعلى التحرُّرِ مِنَ الغِنى، فيقول: "إذا علَّمْناهُم مِنَ البَدْءِ أنْ يُحِبُّوا الحكمةَ الحقيقيّة، سيحصلون على غنًى ومجدٍ أكبرَ بكثير مِمّا يُحَقِّقُه الغنى المادّيّ".
إذا تعلَّمَ الولدُ مِهنةً أو وصلَ إلى أعلى درجات العلوم والمعرفة، فلا يكون هذا بشيء بالمقارنة مع فنّ عدمِ التعلُّقِ بالمادّيّات.
إذا كُنتُم تُريدُونَ أن يكونَ ابنُكُم غنيًّا، عَلِّمُوهُ ألّا تكونَ لديه رغبةٌ بمقتنياتٍ كثيرة، وألّا يُحِيطَ نفسَهُ بالغنى، وألّا يَطلُبَ لنفسِه شيئًا".
يُريدُ الذهبيُّ الفَمِ أن يقولَ إنّ حياةَ الغنيّ السَّهلةَ والمُتْرَفةَ لا تُساهِمُ بتربيةٍ جيّدة، لأنّها لا تُهَيِّئُ الولدَ لِمَصاعِبِ الحياة. لذا يجبُ أن نُنشئَ أولادَنا بشكل نهيِّئُهم فيه لمواجهة الصعوبات، وأن لا يتفاجأوا عندما يواجهون المشاكل. لذلك ندرّبهم على وصايا الربِّ وتعاليمِه.
"دَرِّبِ الطّفلَ على ما ينبغي أن يفعلَه، فلا يتركَه عندما يكبر" (الأمثال 22: 6).