الأهل والحياة الروحيّة لدى الأولاد
منذ فترة قصيرة كنت أرافق ابني إلى حفلة عيد ميلاد صديقه، فاسترْعَت انتباهي فتاة صغيرة، وقفت على كرسي وحنت رأسها نحو طاولة كأنّها تتأمّل شيئًا.
قامت والدتها لتوبّخها على عدم انضباطها، فأجابت الفتاة: "أمّي، أريد تقبيل الصليب على الطاولة!". عندها سألت نفسي، ما الذي يجعل هذه الفتاة الصغيرة تترك الألعاب لتقبّل صليب يسوع؟
تكمن الإجابة على هذا السؤال في معرفتنا أنّ الحياة الروحيّة هي في عمق حياة الأولاد. وهذا ما أثبتته الدراسات العلميّة الحديثة. فعلى سبيل المثال، ثَبُت علميًّا أنّ هناك جزءًا محدّدًا من دماغ الطفل يتفاعل في خلال الصلاة في الكنيسة.
كثيرون يهملون عن قصد أو عن جهل هذه الناحية الروحيّة لدى الأولاد. والبعض يذهب إلى حدّ حرمان أولادهم من التربية المسيحيّة عن قصد، وذلك حرصًا على حرّيّة اختيارهم في المستقبل، إلى أيّ معتقد ينتمون، كما يدّعون. ولكن، أيّ حرّيّة نتكلّم عليها إذا كان الطفل لم يقرّر أن يدخل الحياة، ولا أن يذهب إلى المدرسة، ولا أن يمارس الرياضة؟ فهل يجوز حرمانه تعلّم الصلاة بسبب حرصنا على حرّيّته؟
في غياب الاهتمام بالحياة الروحيّة، يمكن أن ينمو الولد في فراغ داخليّ يدمّر علاقاته مع الآخرين، أو أنّه يمسي في حالة روحيّة ضدّ الله.
هنا دور الأهل أساسيّ في التربية الروحيّة، ينبغي لهم أن يساعدوا أولادهم على معرفة الله، وهذا شيء مختلف عن أن يعرف أولادهم عن الله. يسمع الأولاد ليس فقط بآذانهم ولكن أوّلًا بقلوبهم وباقي حواسّهم. لذا فإنّهم يتعرّفون إلى الله من خلال الحنان في عيون أهلهم، والعذوبة في أصواتهم، والرقّة في لمساتهم، والصدق في إيمانهم.
التربية الروحيّة التي تُمنح خارج العائلة هي تربية تكميليّة. واقعيًا، لا يمكن للكاهن أن يحتلّ مكانة الأهل في التربية المسيحيّة. الكاهن يرى الطفل ربّما بنسبة 2% من الوقت في الأسبوع بينما يكون الأهل مع الطفل بنسبة 98% من الوقت. الله لن يحاسبنا على عدد أولادنا، بل سيسألنا: هل نما هذا الولد بمحبّة الله المخلّص الفادي؟
لذا لا يمكن استبدال تربية الأهل بأيّ بديل آخر. وإذا نما الولد روحيًّا تظهر نعمة الله جليّة على وجهه، فيصبح كما كُتب عن الربّ يسوع: "وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ" (لوقا 40 :2). النجاح في التربية يجلب للأهل فرحًا لا يوصف. أمّا الفشل فمغمّ. وهذا نقرأه في رِسَالَة يُوحَنَّا الثَّالِثَة، عدد 3، نقرأ: "وَمَا أَعْظَمَ الْفَرَحَ الَّذِي يَغْمُرُ قَلْبِي حِينَ أَسْمَعُ الأَخْبَارَ الطَّيِّبَةَ الَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ أَوْلاَدِي يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْحَقِّ!" أما العكس فمحزن ومخز. ليس أصعب من أن يكتشف الآباء والأمّهات أنّ أولادهم يسلكون سلوكًا خاطئًا.