دينيّة
26 آب 2016, 12:30

الأم تريزا: الفقر.. جوع للحبّ وللّه

ريتا كرم
غادرت بالجسد عام 1997 تاركة فيما بيننا صدى صوتها موقّعاً بكلمات وأقوال تتناقلها الأجيال العطشى إلى معرفة أعمق بالله، معرفة ليست مكتوبة فقط في الكتب المقدّسة ولكن مطعّمة بأعمال رحمة شهد عليها العالم كلّه من أدناه إلى أقصاه. هي أقوال وكلمات خرجت من فاه الأم تريزا وكست الأوراق حروفاً خطفت نظر قارئها ودغدغت أذن سامعها وسكنت قلبه مداوية عللاً زعزعت سكونه.

 

هي أمّ الفقراء نعم، ولكن عند حديثها عن الفقر تتوقّف أمام واقع هو أكبر بكثير من المعنى الحرفيّ للكلمة، فهي كانت تقول: "كثيراً ما نعتقد أنّ الفقر هو أن نجوع ونُعرّى ونتشرّد، ولكن هناك أنواع من الفقر أشدُّ إيلاماً: شعورك بأنك غير مرغوب بك وغير محبوب.. وعدم وجود من يهتمّ لوجودك هو الفقر الأعظم.. هناك كثير من الجوع في العالم، ليس للخبز بل للحبّ والتّقدير."

إذا نظرنا من حولنا، كم كثيرون هم المشرّدون من بيوتهم والمرميّون على الطّرقات يشحذون لقمتهم ليسدّوا جوعهم، ويمدّون يدهم علّ حفنة مال تملأ جيوبهم الفارغة وتكسو أجسادهم العاريّة شبه المغطّاة بأقمشة بالية. ولكن كم يفوقهم عدداً هؤلاء الّذين توّقف بهم القطار عند محطّة اليأس والحزن نتيجة ظروف عديدة، فباتوا على الهامش لا يجدون رفيقاً يهتمّ بهم أو يعزّيهم، فسكنت قلوبهم وحشة كبيرة وباتوا عن محيطهم غريبين، فأضحوا الأشدّ فقراً في العالم، فأيّ علاج لتلك الحالات؟

الوصفة قدّمتها الأم تريزا حين قالت: "بإمكاننا أن نشفى من الأمراض الجسديّة بالدّواء، لكن العلاج الوحيد للشّعور بالوحدة واليأس وفقدان الأمل هو "الحبّ". هناك الكثيرون في هذا العالم يموتون من أجل كسرة خبز، لكن هناك عدد أكبر يموتون من أجل القليل من الحبّ"، وما بداية الحبّ إلّا بابتسامة نرسمها على محيّنا فور لقائنا مع الآخر.

الفقر ليس فقط فقراً بسبب الشعور بالوحدة بل هو فقر روحيّ أيضاً فـ"هناك جوع للحبّ وجوع لله"، فحتّى الأغنياء هم "جياع للحبّ وبحاجة لمن يعتني بهم، ولمن يرغب بهم ويسمّيهم خاصّته". فمن فرغ قلبه من كلمة الله، وأضاعت خطاه طريقه المقدّسة، وازدحمت حياته بآفات سمّمت أفكاره، أوَليس فقيراً أيضاً؟

إذاً، لنبدأ بزرع بذور الحبّ في بيوتنا أوّلاً فنعالج الفقر الّذي فيه، ثمّ في محيطنا ومجتمعنا، لنملأ الفراغ في قلوب كلّ جائع إلى الله فيمتلأ غنى، غنى إن فاض انسكب على المسكونة كلّها، وأثمر خيرات تُحصد في السّماء حيث الكنز الأعظم.