ثقافة ومجتمع
01 حزيران 2016, 10:58

اعطونا الطّفولة!

ريتا كرم
بالأمس، هزّتنا صورة طفل غريق في البحر الأبيض المتوسّط وهو لم يكمل ربّما سنته الأولى، كان قد هرب مع 700 شخص من صبراتة اللّيبيّة باتّجاه إيطاليا. وقبلها في أيلول الماضي، انتشرت صورة للطّفل السّوريّ إيلان مرميّاً على إحدى الشّواطئ التّركيّة من دون أن يتمكّن من الوصول إلى وجهته: اليونان. وفي أيّام أخرى، وكم هي كثيرة، صدمتنا أخبار عن أطفال معنَّفين وقعوا ضحايا بالغين فقدوا إنسانيّتهم وفجّروا عقدهم بأبشع الطّرق...

 

فكم من إيلان نتذكّره اليوم في اليوم الدّوليّ لحماية الأطفال! فإيلان ليس فقط الطّفل الغريق، وإنّما هو كلّ طفل جرّدته الحياة من الطّفولة وسلبته براءتها واضطهدت حقوقه الطّبيعيّة. وكم هي كثيرة الصّور الّتي يمكن أن تستوقفنا وتهزّ كياننا لمجرّد التّفكير بها!

أوليس لكلّ طفلّ حقّ أصيل في الحياة وعلى الدّول أن تكفل بقاءه ونمّوه؟ ولكن أين هي تلك الدّول من ذاك الحقّ اليوم؟ كم من طفل جُرّد منه وبات مشرّداً أو مهجّراً أو مكتوم القيد! كم من طفل ركب باخرة الهجرة مع أهله فسرق الموت أحلامه ورماه في قعر المياه وطاف على شواطئ العالم جثّة باردة، فيُقيم العالم القيامة يوم يرى صورهم منتشرة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ثم يسكت من دون أن يحرّك ساكناً، لتتكرّر الحكاية.

ألا تنصّ شرعة حقوق الأطفال على عدم وجوب مشاركة أيّ طفل تحت الخامسة عشرة في أيّ نوع من الحروب، وعلى تأمين حماية خاصّة للأطفال المعرّضين للنّزاع المسلّح؟ نعم، هي تنصّ على ذلك. ولكن للأسف فإنّ مجتمعاتنا مزروعة بالشّواذ، فترى الأطفال يتربّون على السّلاح والثّورة والحرب. ترى حياتهم معرّضة للخطر، ليس فقط لخطر الموت وإنّما أيضاً لخطر الجهل الّذي يقود البالغين إلى تحقيق مصالحهم الخاصّة، فيقع الصّغار في فخّ الكبار.

كم من طفل لم يذق طعم البراءة، لم يُهدَ لعبة ترفّه عنه؟! كم من طفل يحلم أن تتخطّى قدماه عتبة المدرسة ويجلس على مقاعد الدّراسة، ويحظى بفرصة أن يكتب بالطّبشور على اللّوح، ويترقّى من صفّ إلى آخر، ليتخرّج منها أخيراً شابّاً طموحاً منتجاً في مجتمعه؟! كم من طفل طعنته أنانيّة الكبار فخُطف أو سيق للاتّجار كما لو كان سلعة تُباع وتُشترى في أسواق حرّة لا تضبطها قوانين؟!

كثيرون منهم لم يتذوّقوا طعم العائلة، فما أواهم منزل ولا ربّاهم والد ولا نصحتهم أمّ ولا سندهم أخ أو أخت.

ومن ذاقه ربّما عاكسته الأيّام، فحظي بوالدين معنِّفين أبرحاه ضرباً وأجبراه على أعمال شاذّة ليرضيا غرورهما ويشبعا غريزتهما.

الأمثلة كثيرة تظهر الفظاعة في مجتمعاتنا الضّروسة، وتبرز الانتهاكات الّتي يتعرّض لها أطفالنا، وتكشف عن أمراض متغلغلة في بيوتنا ومؤسّساتنا، وإن عدّدناها تطول اللّائحة.

ولكن في اليوم الدّوليّ لحماية الأطفال، يا ليت الضّمائر النّائمة تستيقظ وتفعل بحقّ لأجل الطّفولة المسلوبة الحقوق، لتدقّ بيد من حديد في المكان المناسب. فليس من يوم أنسب من الآن لنعيد إلى كلّ أطفال العالم حياتهم، وبخاصّة حيث النّزاعات والحروب. لنبدأ بأبسط الحقوق، الحق في الحصول على جنسيّة وعائلة والحق في العلم. 

في يوم الطّفولة، وبإسم أطفال العالم، نردّد الأغنية: "اعطونا الطّفولة... اعطونا السّلام!"

الصّورة بعدسة الزّميلة دنيا الناشف