أبحث عن الإنسان
يبحث Dioginus عن الإنسان الإنسانيّ أي الإنسان "الآدميّ" صاحب الأخلاق والقيم والشرف.
جلس ديوجينُس عاريًا في ساحة المدينة وقد أضاء مشعله وسراجه والشمس شارقة وعندما سأله الناس لماذا هذا في وضح النهار أم هو يبحث عن ماذا؟ أجاب قائلًا "أنا أبحث عن الإنسانanthropos" " هذا هو الموضوع الأساسيّ الفلسفيّ والوجديّ والأنتروبولوجيّ والإنسانيّ: معنى الإنسان.
أضعْنا نحن اليوم معنى الإنسان. أضعنا أيضًا مفهوم الإنسان وفقدناه وأمست الأشياء كلّها تأتي قبله، شئنا الإنسان الحزب قبل الإنسان، والعقيدة قبل الإنسان والقيم الأساسيّة ضاعت. صارت السياسة قبل الإنسان، والمؤسّسة قبل الإنسان، والسيّارة قبل الإنسان، والمال قبل الإنسان، والطائفة قبل الإنسان، والقبيلة والعشيرة والرَبع والجماعة قبل الإنسان.
أعيدوا للإنسان معناه الحقيقيّ. أعطوه معنى الشرف والكرامة والأخلاق. من هنا كانت أهمّيّة تيّار الشخصانيّة المسيحيّة Le personnalisme chrétien الذي قاده إيمانويل مونييه والعديد من المفكّرين الآخرين وكتب عنه، في لبنان، الأب حنّا مارون مغامس والأب يوحنّا سعادة وقد كتب عنه، في أبهى اختباراته، في جامعة ستراسبورغ، حيث كنت أحضّر شهادة الدكتوراه، المفكّر Maurice de Nedoncelle في كتابه تبادل الوجدانات La réciprocité de consciences في الحبّ والاحترام وقبول الغيريّة.
دخلنا اليوم عصرَ فقْد قيمة الإنسان، وصارت الخرافات تعتري عقول الناس الجهلَة والعائشين في الخوف والرعب والمتهافتين على الجنس والمال قبل الموت. من هنا كانت أهمّيّة كتاب الفيلسوف الكبير بول ريكورFinitude et culpabilité "نهائيّة ومذنوبيّة" المترقّب الخلاص والخروج من ظلمة كهف الأنانيّة والنرجسيّة.
أعيدوا الإنسان إلى إنسانيّته، إلى شخصانيّته وفرادته لنعيد إليه تروحن الحضارة والثقافة والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتربية وأنسنة سائر السلوكيّات الاجتماعيّة والانماط الإنسانيّة ولنوقف عبادة الزعماء والاستزلام والزحف والظلاميّة الفكريّة المحيطة بعقولنا وقلوبنا ووعينا ولنوقف السرقة والنهب والكذب والتزوير وليخلّصنا الله من "عمى القلب" "وضيق الصدر والعقل" والاندهاش والانبهار والاستماع لخرافات الجهل الخطابيّ السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والإنسانيّ.
الإنسان كائنٌ "واقف" "منتصب". الحيوان كائن "منبطح" يدبّ على الأرض فلنعد الإنسان إلى عظمته التي أعطاه الله إيّاها حين جبله بيديه وخلقه ونفخ فيه روحه ولنوقف في مجتمعنا عبوديّة الآخرين وإحراق الإنسان ولنرجعْ له الكرامة التي خلقه الله بها فلا نخجل بإنسانيّتنا وبشريّتنا.
ما زال مشعل Diogene مضاء في ساحات العالم وشوارعه باحثًا عن إنسانيّتنا المحروقة والمدمّرة تحت القذائف والقنابل والصواريخ وجنازير الدبّابات والأحقاد والكراهية والغيرة والأنانيّة والنرجسيّة وعبادة الأفراد والزعماء والسرقة والنهب والتزوير.
أعدنا اللهمّ الى إنسانيّتنا التي صرتَ إنسانًا من أجلها واعطنا أن نعيش القداسة التي هي المشعل الحقيقيّ لحياتنا ولمجتمعنا.