العراق
29 آذار 2018, 08:17

البطريرك ساكو: الحياة من دون الحبّ عقيمة

في خميس الأسرار، نشرت البطريركيّة الكلدانيّة موعظة خميس الفصح لبطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو تحت عنوان "الحياة من دون الحبّ عقيمة"، وجاء فيها:

 

"الفصح يمثّل محور إيماننا المسيحيّ، ويشمل كلَّ محطات حياة يسوع. إنّه دعوة لكي نعيش ما عاشه بأصالة.

الحياة والبقاء والخلود نَزعَة طبيعيّة عند الإنسان، وهي اُمنيته ويبذل قصارى جهده من أجل اقتنائها.. لو رجعنا إلى الرّموز المستخدمة في حضاراتنا القديمة، لطالعتنا معانٍ كثيرة، مثل شجرة الحياة.. والزّقورة والقبور على شكل خدر… الأهرام…

إلّا أنّ المسيح يعطي للقيامة معنى آخر ويعرض علينا مستوى آخر من الوجود، وهو الحبّ: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ” (يوحنّا 15/13)، فجسده حبّة الحنطة، ودمه عصير الكرمة بكلّ ما يرمزان إليه.

والتّضحية في سبيل الآخرين نضوج والشّهادة قمّة. هذا ما فعله الضّابط الفرنسيّ "أرنولد بيلترام" قبل أيّام عندما أخذ مكان رهينة، وقُتِل من قبل الإرهابيّين وخلَّص الرّهينة. إنّها قِمّة البطولة وسوف يبقى هذا الضّابط حيًّا في ذاكرة الفرنسيّين. وهذا تجسيد حيّ لقول المسيح: "لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" (يوحنّا 13/15). فبذل الذّات وكمال الشخّصيّة متلازمان، إنّهما مفتاح العظمة والنّجاح والسّعادة لأنّ أساسه ومصدره هو الحبّ.. كما أنّه  قناعة ورضى، ثمرته القيامة والفرح الحقيقيّ..

نستنتج من هذا أنّ حضورنا المسيحيّ هو رسالة تحرير وخلاص وأنّ القيامة تعني التّجدّد والتّقدّم والارتقاء.

المعاناة خبز الحياة والألم محكّ الشّخصيّة والصّعوبات والمشاكل والظّروف الصّعبة تعترض أيّ إنسان جدّيّ وعميق وغيور، وموقفنا منها هو يسم شخصيّتنا وتاريخنا. رسالتنا كبشر ومؤمنين أن نخدم الآخرين لأنّهم إخوتنا ونضحّي بذاتنا من أجلهم أيًّا كانوا، فنُعصر كالعنب.

لنتعلّم من الطّبيعة، وقد خلقها الله من حولنا، فالرّبيع تَفتُّح وتجدّد. هذه المعجزة يجب أن تتمّ فينا. فنحن أرض طيّبة ومدعوّون إلى كمال الله لأنّنا مخلوقون على صورته ومثاله "رغم التّشويه الّذي أحدثناه"… الطّبيعة يسقيها ماء بينما نحن يسقينا دم المسيح... يسوع يصير لنا لحمًا ودمًا حتّى نصير نحن كذلك لإخوتنا.

إذًا لا بدّ من الانفتاح، وإلّا سنبقى شبه مائتين... لا بدّ من التّجدّد وإلّا سنَتلف، والتّجدّد لايمكن أن يكون تكرارًا، بل إبداعًا نحو الأفضل والأجمل... فالله لا يريد أن نجعل الحياة قالبًا جامدًا، ولا من النّاس أرقامًا متحرّكة، وفق مقاييس ثابتة، ولا أن يقتصر إيماننا على الطّقوس والممارسات الجوفاء: "السّبت والهيكل من أجل الإنسان".

فالقيامة والحياة والتّجدد يعبّر عنها يسوع في صلاته الوداعيّة حسب إنجيل يوحنّا (17: 26) "لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ".

الحبّ نعيشه في الجماعة ومع الجماعة "قلب واحد ونفس واحدة" (أعمال4 /32)، والجماعة "الكنيسة" هي مكان للانفتاح والنّضوج. وعندما تكون الجماعة حيّة نشعر بفرح اللّقاء والعطاء. صلواتنا وطقوسنا وبخاصّة الإفخارستيّا تعلّمنا هذه العلاقة العاموديّة مع الله والأفقيّة مع إخوتنا "أيّ الشَّرِكة". فالمسيحيّ لا يمكن أن يكون شخصًا معزولاً. هذا الحبّ وهذه الديناميّة يجعلاننا نمتليء من الله.

أتمنّى لكم فصحًا مقدّسًا وعبورًا آمنًا لبلدنا إلى السّلام والأمان والاستقرار".