150 عامًا على الوجود الكلدانيّ في لبنان وقصارجي: نصلّي كي تبقى الكنيسة الكلدانيّة قوّة للسّلام
بعد الإنحيل المقدّس، ألقى المطران قصارجي عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "اليوم، نجتمع في رحاب هذا المقام المبارك، قلبِ الكنيسة الكلدانيّة في لبنان، لنرفع أكفَّ الضّراعة شاكرين الله على مئةٍ وخمسين سنة من الحضور الكلدانيّ في لبنان. هو حضورٌ ملؤه الإيمانُ، والصّبرُ، والمحبّةُ، والوفاءُ للعهد الإلهيِّ.
لقد جاء آباؤنا، من بلاد ما بين النّهرين، حاملين معهم لغة المسيح، وعَبْقَ الرّوحانيّة المشرقيّة، وعراقة الإيمان الّذي توارثوه من أجدادهم في أور ونينوى وبلاد ما بين النّهرين. لقد وطئِت أقدامُهم هذه الأرض الطّيّبة، ليزرعوا جذور المحبّة والرّحمة وسط جبال لبنان وأنهاره وسهوله. وما أجمل أن نذكر اليوم أنَّ هذا اليوبيلَ ليس مجرّدَ احتفالٍ تاريخيٍّ، بل هو مرآةٌ للرّحمة الإلهيّة، ونبراسٌ للرّجاء، ومناسبةٌ للتّأمُّل في الرّسالة الّتي نحملها ككلدان في هذا الوطن العريق.
في هذا اليوم المجيد، تتجلّى أمامنا صورةُ رئيس الملائكة رافائيل، الّذي أرسله الله ليكون مرشدًا للطّرق، وشفاءً للأرواح والقلوب، وحاميًا للشّعب المؤمن. على ما ورد في كتاب طوبيا، فقد سار رافائيلُ مع الشّابّ طوبيا في رحلةٍ مليئةٍ بالمخاطر، فحماهُ وأرشده وشفى والده الأعمى (طوبيا 3:17 / 6:11). هذه القصّة، أحبّتي، ليست مجرَّد سردٍ قديمٍ، بل هي درسٌ حيٌّ لنا في كيفيّة السَّير مع الله في رحلتنا اليوميّة، وفي كيفيّة أن تكون يدُ الله الشّافيةُ مرئيّةً من خلال أولئك الّذين نرسلهم للخير. رافائيلُ، بهذا الدّور الإلهيّ، يعلّمنا أنّ الله حاضرٌ في كلّ محنةٍ، وأنّه يدعونا لنكون شركاءَ في شفاء العالم من خلال عمل الرّحمة والمحبّة.
إنّ حضور الكلدان التّاريخيّ في لبنان كان أكثرَ من مجرّدِ إقامةٍ على أرضٍ، إنّما هو رسالةٌ حيّةٌ للحياة والرّجاء. لقد واجه آباؤنا مصاعبَ الجوع والحروب والنّزوح، لكنَّهم لم يتركوا إيمانهم، بل جعلوه نورًا يضيء في الظّلمات. هذا ما يشيرُ إليه أفرام السّريانيّ القائل: "حيثما يختلط الألم بالصّلاة، ينزل نورُ السّماء ليشفي النّفوس ويقودَ الأرواحَ".من خلال مدارسنا، وكنائسنا، ومؤسّساتنا الصّحّيّة والاجتماعيّة الخيريّة، تمكّنا من غرس بذور النّور والشّفاء في المجتمع اللّبنانيّ وبين الإخوة العراقيّين والسّوريّين الكلدان اللّاجئين، لنكون بذلك مثالًا حيًّا على أنّ الكنيسةَ ليست مجرّد مكان للعبادة، بل هي قوّة تبني القلوب وتُغذّي الأرواح.
إنّ المجتمع الكلدانيّ في لبنان قد ساهم أيَّ مساهمةٍ في رفع مداميك الحضارة والتّطوّر والنّموّ في المجتمع اللّبنانيّ الحبيب، وقدّم للوطن عبر التّاريخ، كوكبةً وضّاءةً لامعةً من رجال العلم والعمل، من مهندسين ومحامين وأطبّاء وأساتذةِ جامعات ورجال أعمالٍ شاركوا جميعًا في نهضة هذه البلاد الّتي أحببناها وتُحبّنا.
لن ننسى أن نذكر في هذا السّياق، سحابةً نيّرةً من الشّهداء الّذين استشهدوا في ساحاتِ الوغى، دفاعًا عن كرامةِ لبنانَ واستقلاله وذودًا عن حدوده وصيانةً لسيادته".
لبنانُ هو الأرضُ الّتي اجتمعت فيها الشّعوبُ والدّياناتُ، وهو يحتاج إلى أُناسٍ يكونون مصابيحَ للسّلام، والعدل، والمحبّة. ونحن ممتنّون لوجود ممثّل فخامة رئيس الجمهوريّة العماد جوزيف عون بيننا اليوم معالي وزير الدّفاع اللّبنانيّ اللّواء الرّكن ميشال منسّى ليكون شاهدًا على التّعاون الوثيق القائم في وطننا بين الكنيسة والدّولة، ولحمايةِ لبنان كأرضٍ للسّلام والوحدة. لبنان بحاجة إلى حضور الكلدان، كأداة نورانيّة، ترفع القلوب المرهقة، وتغرس الأمل في النّفوس المتعبة، كما يزرع الله الأمل في الأفئدة المطمَئنّة إليه. لقد غرس آباؤنا في لبنان قيم المواطنة والعِلم والعَمل والإيمان، فكانت مؤسّساتنا ونشاطاتُنا معاقلَ للمعرفة والرّوحانيّة.
على ما يرى مار نرساي القائل: "الّذي يمشي في نور المسيح يصبح نورًا للآخرين".إنّها دعوةٌ لكلّ فرد وكلّ عائلة وكلّ مؤسّسة كنسيّة: لنكن نورًا يضيء في العتمة، شفاءً للجرحى، رجاءً للمحتاجين، ومثالًا حيًّا على محبّة الله الفاعلة في العالم. في عالم مليءٍ بالقلوب الجريحة، والفقر، والنّزاعات، نحن مدعوّون لنكون رُسُل الشّفاء، مثل رافائيل الملاك".
وإلى الرّئيس عون قال: "عهدُك الميمونُ حاملٌ للأمل والرّجاء وواعدٌ بنهضةٍ طال انتظارها طويلًا، تطالُ الحجرَ والبشر. إنَّ أسس السّلام الّتي تضعون أركانها وتَصُفُّون حجارتها وترصِفون مداميكها بجرأةٍ وبلا وَجَلِ، لهي بشائرُ الفرح والازدهار واستشرافٌ لقيام دولة المؤسّسات والعدالة والمساواةِ والمحاسبة الحقّة... وذلك في كافّة القطاعات وعلى مختلف المستويات وفي غير مكانٍ. لأجل ذلك، فإنَّ أبناء كنيستنا يندفعون بقلبٍ واثقٍ للانخراط في مؤسّسات الدّولة والالتحاق بصفوف الجيش، إذ يرَون في شخصكم الكريم انبلاجَ فجرٍ جديدٍ واعدٍ يُنبىء بغدٍ مشرقٍ زاهرٍ.
وفي هذا المحور، لا بُدَّ لنا أن نطالب أمامكم، ونحن مدركون لمدى اهتمامكم بكافّة شرائح المجتمع اللّبنانيّ ذي النّسيج المتعدّد الألوان، بإنصاف الطّوائف المسمّاةِ "أقلّيّات" إن في التّمثيل النّيابيّ أم في المناصب الوزاريّة ووظائف الدّرجة الأولى.
نحن مطالبون بالصّلاة والعمل معًا، كي تبقى الكنيسةُ الكلدانيّةُ وتحت مظلّة الدّولة اللّبنانيّة، قوّةً للسّلام، وسراجًا يضيء الظّلمات، وحاميةً للكرامة الإنسانيّة. إنّ التزامنا بواجبنا الوطنيّ وبالإيمان، وبعملنا الخيريّ، يعكس الإيمان الّذي لا يضعف أمام الصّعاب، والمحبّةَ الّتي تتجاوز الحدود، والرّجاء الّذي لا يموت أبدًا. فلنرفع اليوم صلواتنا شاكرين، متوسّلين لشفاعات سيّدة الورديّة ورئيس الملائكةِ القدّيسِ رافائيل وجميع القدّيسين، لكي يرافقوا أبرشيّتنا، ويباركوا لبنان، ويغمروا قلوبنا بالسّلام، والشّفاء، والرّجاء الّذي لا ينقطع. كما يقول المزمور: "باركي يا نفسي الرّبَّ، ولا تنسَي كل مُعجزاته. هو يغفرُ جميع آثامك، يشفي جميع أمراضك، ويكلّلك بمحبّة ورحمة"(مزمور 102:2-4). نهنّىء في هذه المناسبة حاملي اسم الملاك رافائيل من الإكليريكيّين والعلمانيّين ولاسيّما صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلّيّ الطّوبى والمونسنيور رافائيل طرابلسي والشّمّاس رافائيل كوبلي ونترحّم على روح المثلّث الرّحمة البطريرك مار روفائيل بيداويد ونسأل الله أن يُجزل علينا بركاته بشفاعته!
يا ربَّ السّماوات والأرض، يا شافي النّفوس والأجساد، نسألك أن تبارك أبرشيّتنا الكلدانيّة في لبنان، أن تحمي هذا الوطن وتغمُره بالسّلام، وأن تجعلنا رُسلًا لنورك، وأدواتٍ للشّفاء، ومصادرَ رجاءٍ لكُل مَن حولنا. آمين".
