"يحذّرنا الربّ من خطر الطمع بالمادّيّات": المطران عوده
بعد قراءة الإنجيل المقدّس ألقى المطران عوده عظته التي محور حول مثَل الغنيّ الجاهل، وقال: "يحذّرنا الربّ، عبر هذا المثل، من خطر الطمع بالمادّيّات والابتعاد عن الله الذي تجسّد ليخلّص الإنسان من براثن الخطيئة ويمنحه الحياة الأبديّة.
نتعلّم من1بط1: 18-19"عالمين أنّكم افتديتم، لا بأشياء تفنى، بفضّة أو ذهب... بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح" أنّ ثمنًا باهظًا دُفع من أجل خلاص نفوسنا، لقد ارتضى ربّنا أن يموت على الصليب ليخلّص البشريّة بأسرها. في المقابل، نقرأ في مثَل اليوم كيف خسر الغنيّ نفسه، وهذا يمكن أن يحصل معنا فيخسر كلٌّ منّا نفسه إلى الأبد بسبب سلوكه غير المرضيّ لله".
أوضح المتروبوليت عوده ثلاثة أسباب أدّت بالغنيّ إلى خسارة نفسه:
1- ضمر هذا الإنسان خططًا أنانيّةً لأنّه انشغل طوال حياته بالسعي وراء رفاهية الحياة الأرضيّة، ولم يسع وراء الله. «أخصبت أرضه» فاستغنى بما له وبنفسه عن الله. أراد بناء مخازن أكبر ليجمع فيها غلّاته وخيراته عوض اقتسامها مع من هم في الحاجة. لكنّ الله شاء له أمرًا مغايرًا. لقد خطّط فقط للحياة الوقتيّة الفانية بدلًا ممّا هو للحياة الأبديّة، ولم يكن الله محور حياته فيما يريدنا الربّ أن ننظر إلى الأمور من المنظار الصحيح بقوله: «أنظروا وتحفّظوا من الطمع، فإنّه متى كان لأحد كثيرٌ فليست حياته من أمواله» (لو 12: 15). علّمنا ألّا نهتمّ في حياتنا لما هو أرضيٌّ، بل أن نطلب أوّلًا ملكوت الله وبرّه (مت 6: 33). قد يخسر الإنسان نفسه إن بنى ذاته بعيدًا عن الله، لأنْ مَن منّا إذا اهتمّ يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدةً (لو 12: 25)؟
2- امتلك هذا الإنسان نوايا خاطئة. فقد كان ممتلئًا بالعجب والاعتماد على الذات، وهاتان خطيئتان يخسر الإنسان نفسه بسببهما. "أوصِ أغنياء الدهر الحاضر ألّا يستكبروا ولا يتّكلوا على الغنى غير الثابت، بل على الله الحيّ الذي يؤتينا كلّ شيء بكثرة لنتّمتّع به" (1تي 6: 17-19). نقطة الفصل ليست في ما يملك الإنسان، غنيًّا كان أم فقيرًا، بل في موقع اهتمامه، لأنْ لا نقدر أن نعبد الله والمال (مت 6: 24). ليس مهمًّا كم حصّل الإنسان، بل كم أنفق على المحتاجين. يوصي الرسول بولس العبرانيّين قائلًا: «لا تنسوا الإحسان والمؤاساة فإنّ الله يرتضي مثل هذه الذبائح» (13: 16). الغنيّ لم يفكّر لحظةً في مشاركة المحتاجين ما فاض عنه من نعم الله، ولا ردّ مجدًا لله أو فكّر بأنّ الله سمح أن يغتني لكي يقتني بالمقابل فضيلة العطاء. لو كان هذا الغنيّ حكيمًا لأحسن استثمار أمواله في اقتناء الفضائل أي المحبّة والرحمة والعطاء.
الغنى عطيّةٌ من الله علينا أن نحسن استعمالها.
وضع الغنيّ لنفسه أهدافًا وحسابات خاطئة. ظنّ أنّه يستطيع التمتّع بغلّاته وخيراته التي جمع، غير عالم أنّ ليلته كانت الأخيرة على الأرض. يقول الرسول يعقوب: «هلمّ الآن أيّها القائلون: نذهب اليوم أو غدًا إلى هذه المدينة أو تلك، وهناك نصرف سنةً واحدةً ونتاجر ونربح. أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد! لأن ما هي حياتكم؟ إنّها بخارٌ يظهر قليلًا ثم يضمحلّ» (يع 4: 13-17). هكذا، لا يدرك معظمنا، كالغنيّ الجاهل، أنّنا على بعد نفَسٍ واحد أو نبضة قلب واحدة، أو حادث واحد من الموت الجسديّ. فلا نكن مثله غير مستعدّين لتلك اللحظة، بل فلنتصالح مع الله، الآن وليس غدًا"...
ولأنّ العظة دسمة ولكن، طويلة، نتابع الجزء الثاني منها في تقرير تابع.