"يبدو المستقبل قاتمًا مع انعدام الرؤية...ولا بدّ من تغييرٍ في المسار": المطران باليا
شارك المطران فنتشنزو باليا في ندوة "من كن مسبّحًا إلى كلّنا إخوة" وكانت له مداخلته التي استهلّها بالقول: "لا يسعنا ألّا ننطلق من الحروب الدائرة اليوم حول العالم، لا سيّما في أوكرانيا وغزّة وجنوب السودان بالإضافة إلى ستّة وخمسين صراعًا مسّلحًا آخر، في وقت يبدو فيه أنّ أوروبا تقف موقف المتفرّج، تعاني من الانقسامات، وهي عاجزة عن التصرّف إزاء حرب تدور على أراضيها، وهي الثانية بعد حرب البلقان عام ١٩٩٢".
لفت المطران إلى أنّ عالمنا اليوم يعيش حربًا عالميّة ثالثة مجزّأة كما يسمّيها البابا فرنسيس، ويبدو المستقبل قاتمًا جدًّا. وذكّر بكلمات البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني الذي عهد القول إنّ الإنسان يتألّم بسبب غياب الرؤية، هذا الحلم الذي عاشه الجميع عام ١٩٨٩ وتبدّد اليوم، الحلم بعالم موحّد وكونيّ.
بعدها ذكّر المطران باليا بالتغيير الذي يشهده عصرنا، لافتًا إلى أنّ الإنسان يبدو قادرًا وللمرّة الأولى في التاريخ البشريّ على أن يقضي على نفسه وعلى الخليقة. وقد بدأ كلّ شيء مع استخدام القنبلة الذريّة ثمّ ظاهرة التغيّر المناخيّ التي تدفع بنا إلى حافّة الهاوية كما يقول هانس جوناس. وتُضاف التكنولوجيّات الحديثة الناشئة القادرة على التحكّم بالإنسان.
في هذا السياق، أكّد رئيس الأكاديميا البابويّة للحياة أنّ الرسالتين العامّتين للبابا فرنسيس "كن مسبّحًا" و"كلّنا إخوة" تكتسبان أهمّيّة كبرى في خضمّ الأوضاع الراهنة لأنّهما تملآن الفراغ الذي سبّبه انعدام الرؤية، لذا لا بدّ من أن نصُبّ الاهتمام على المخاطر المحدقة اليوم بكوكب الأرض وبالإنسان ونسعى إلى إنقاذهما. وأضاف باليا أنّ هذه الرؤية واضحة لأنّها تتحدّث عن بيت مشترك واحد، هو كوكب الأرض، الذي ينبغي أن نعتني به، وعن عائلة واحدة، هي عائلة الشعوب، التي لا بدّ من أن نكون مسؤولين عنها.
كما لفت المطران باليا إلى أنّ الرسالتيّن العامّتين تدفعان نحو نظرة أنتروبولوجيّة جديدة للإنسان، مع الحفاظ على الأبعاد المرتبطة بقيمة كلّ كائنٍ بشريّ وكرامته. وشدّد على أهمّيّة السعي إلى تعزيز عولمة جديدة للإنسانيّة، ترتكز إلى احترام حقوق الإنسان، وتعزيز حقوق المرأة وإرساء مبادئ الحرّيّة والمساواة والأخوّة، وتعزيز الديمقراطيّة والتضامن العالميّ. وهذا ما يتحدّث عنه أيضًا البابا فرنسيس في رسالته العامّة "كن مسبّحًا" عندما يشير إلى ترابط الأمور في ما بينها، ما يحملنا على إنضاج روحانيّةٍ للتضامن العالميّ تنبعث من سرّ الثالوث الأقدس.
وأضاف المطران أنّ البابا يذكّر في هذا السياق أيضًا بأنّنا خُلقنا من قبل آب واحد، ولذا تربطنا علاقة غير مرئيّة ونحن نشكّل عائلة واحدة كونيّة، ما يدفعنا إلى الاحترام المقدّس والمُحبّ والمتواضع. ولا بدّ من أن ندرك أنّنا نحتاج إلى بعضنا البعض وإلى الخلائق جميعها. يتطلّب هذا الأمر تغييرًا في المسار وإطلاق حوار يساعد في الحفاظ على التنوّع الثقافيّ الذي هو كنز بالنسبة إلى البشريّة.
تابع المطران باليا مداخلته مؤكّدًا أنّ التنوّع ضمن الوحدة هو كنز البشريّة، وهذه هي الأنسنة الجديدة في الألفيّة الثالثة. وأوضح أنّ هذه الأنسنة الكونيّة تولد من إدراك أهمّيّة العلاقات البشريّة، وعلاقة الإنسان مع الطبيعة. ومن هذا المنطلق يعتبر البابا فرنسيس أنّ الأزمة الإيكولوجيّة الراهنة هي في الواقع تعبير خارجيّ عن الأزمة الأخلاقيّة والثقافيّة والروحيّة التي يعيشها عالمنا المعاصر، ولذا لا نستطيع أن نصحّح علاقتنا بالطبيعة والبيئة من دون تصحيح العلاقات البشريّة الأساسيّة.
شدّد المطران باليا على أنّ هذا التحوّل يتطلّب تطوّرًا أنتروبولوجيًّا يسير نحو التعايش المشترك والسلام العالميّ.
ختم باليا مداخلته بالقول إنَّ هذا التحدّي يقتضي شجاعة وقوّة للتجديد الذهنيّ والروحيّ، وللعمل من أجل بناء أنسنة جديدة ترتكز إلى الأخوّة التي طالما شكّلت مصدر أمل بالنسبة إلى الإنسانيّة.