"نحن مدعوّون، إلى التّحرُّر من عُبُوديّة المال وسُلطته": المطران عوده
نتابع ههنا، موضوع حبّ المال الذي تناوله المطران عوده في عظته يوم الأحد عن الشاب الغنيّ الذي قصد يسوع ليسأله عن الطريق إلى الحياة الأبديّة.
تابع المطران عوده قال: "يشدّد آباء الكنيسة على أنّ كثرة الأموال تُنسي الإنسان تدخّل الله في حياته، لأنّه يظنّ أنّها تستطيع تحقيق حاجاته كلّها. يقول القدّيس باسيليوس الكبير: "لم يخبرنا أن نبيع ما لنا لأنّها أشياء شرّيرة بطبعها، وإلّا ما كانت من صنع الله. لم يأمرنا أن نلقيها عنّا كأُمور رديئة بل أن نوزّعها. لا يدان أحد لأنّه يملك شيئًا، إنّما لأنّه يفسد ما يملك. لهذا، فإنّنا، بحسب وصيّة الله نلقي عنّا ما لنا لغفران خطايانا والتمتُّع بالملكوت". أمّا القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم فيقول: "حتّى إن كنت غنيًّا، فالطبيب قادر أن يشفيك. إنّه لن ينزع الغنى، إنّما ينزع العبوديّة للغنى ومحبّة الطمع في الربح". غنى الشاب كان مصدرًا لحزنه لأنّه كان عائقًا دون وصوله إلى ما يصبو إليه: الحياة الأبديّة.
قد يظنّ من يقرأُ إنجيل اليوم أنّ كلام الربّ موجّه إلى الأثرياء فقط وهذا ليس صحيحًا، لأنّ كلّ إنسان لديه ما يتعلّق به أو يستغني به. فمن طلب ملكوت الله عليه ألّا يدع شيئًا يتسلّط عليه بل أن يجعل المسيح وحده مبتغاه. لذا نحن مدعوّون، في فترة صوم الميلاد، كما في سائر أيّام حياتنا، إلى التّحرّر من عبوديّة المال وسلطته، وجعل الله غنانا علّنا نرث الحياة الأبديّة ونؤهّل إلى أن نقدّم أنفسنا هدايا ثمينةً للطفل الإلهيّ المتجسّد من أجل خلاصنا.
يا أحبّة، مرّت منذ يومين ذكرى الإاتقلال حزينةً، فارغةً من معناها، لأنّ معظم اللبنانيّين يشعرون بأنّ وطنهم يضيع واستقلالهم يتقهقر. لبنان مكبّل، ضائع، بسبب النزاعات والاختلافات والمصالح والتدخُلات وعدم تطبيق الدستور وترك سدّة الرئاسة خاليةً من رئيس هو بمثابة البوصلة والربّان.
قال الربّ: «مرتا مرتا أنت تهتمّين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكنّ الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها» (لو 10: 41). النصيب الصالح هو ما يجب طلبه. لذا على اللبنانيّين ألّا يصرفوا أنظارهم عن الأمر الوحيد الذي يحميهم وهو وجود دولة قويّة عادلة، ديمقراطيّة، دولة الدستور والقوانين، دولة العدالة والمساواة بين المواطنين، واحترام الحقوق والواجبات. دولة يتولّى جيشُها القيام بواجباته من دون أن يشكّك به طرفٌ أو ينتقده آخر. ولكي تتحقّق هذه الدولة، نحن بحاجة إلى رجال دولة يضعون مصلحة البلد فوق مجمل المصالح. نحن بحاجة إلى يقظة وطنيّة لنخلّص لبنان من الكارثة. إنقاذه وحمايته يبدآن بانتخاب رئيس يحمل صوت لبنان إلى العالم، وينتزع المبادرة من كلّ دخيل، ويعمل مع حكومته على تصويب الأوضاع وقيادة المفاوضات ورسم خطّة الإنقاذ وبناء المؤسّسات وجمع اللبنانيّين تحت كنف الدولة التي وحدها تحمي أبناءها وتذود عنهم. لقد حان الوقت لوقف المُقامرة بحياة اللبنانيّين ومصير أبنائهم. حان وقت إنهاء المغامرة بهذا البلد من أجل أهداف لا تخصُّه، وإيقاف آلة الموت والدمار. حان وقت القرار الشجاع يتّخذه الأُمناء لهذا البلد ويعملون على استرجاع الدور كي نستحقّ استقلالًا نحتفل به مرفوعي الرأس، مرتاحي الضمير. فلنتّكل على الله الذي لا يخذل محبّيه، وعلى ذوي الضمائر الحيّة والإرادة السليمة، آمين.