لبنان
07 تشرين الأول 2024, 06:20

"ممارسة المسؤوليّة تحت نظر الله، والانتباه الدائم لعمل

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بقداس أحد الورديّة في كنيسة الصرح البطريركي الديمان بحضور فاعليات المنطقة وحشد من المؤمنين .

 

تناول البطريرك الراعي تأمله إنطلاقًا من آية "من تراه الخادم الأمين الحكيم" (مت 24: 45) .وقال: " كلام المسيح الربّ يدور حول النهايات: نهاية الأزمنة، ونهاية حياة كلّ إنسان بموته. وفي كلا النهايتين الدينونة والخلاص الأبديّ أو الهلاك. فينبغي أن يكون كلّ شخص أمينًا وحكيمًا في القيام بواجبه كمسؤول في الحياة أو العائلة أو الكنيسة، أو المجتمع أو الدولة. فالمسؤوليّة لدي جميع الناس، لكنّها تتفاوت بين شخص وآخر. فإمّا ينكبّ على مسؤوليّته بأمانة وحكمة فينال الخلاص، وإمّا يهملها بحياة الطيش فيكون مصيره الهلاك الأبديّ.

أضاف البطريرك قائلًا: " تحتفل الكنيسة اليوم بأحد الورديّة المقدّسة. فيقوم المؤمنون بتلاوتها في الرعايا، وفي كلّ مساء في العائلة جماعيًّا أو إفراديًّا. فالمسبحة صلاة محبّبة على قلب العذراء مريم، وقد أوصت بتلاوتها في العديد من المناسبات والظهورات "من أجل نهاية الحروب وإحلال السلام" و"من أجل إرتداد الخطأة إلى التوبة والحياة الجديدة". وكثيرون صلّوا الورديّة من أجل نوايا خاصّة، وقد نالوها، ومن بين هؤلاء القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني الذي أضاف على أسرارها أسرار النور التي تكمّلها، فقال: "كلّ سرّ حياتي هو في تلاوة مسبحة الورديّة يوميًّا

أردف الراعي بقوله "يتكلّم الربّ يسوع في إنجيل اليوم عن كلّ إنسان يحمل مسؤوليّة ما في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. وهي مسؤوليّة تأمين الخير العام الذي منه خير الأفراد وخير الجميع. فينبغي أن يتحلّى المسؤول بالأمانة والحكمة، لكي يستمرّ وفيًّا لموكّله وللأشخاص الموكّل عليهم ولواجبه. ويذكّره بأنّه سيؤدّي حسابًا لله الديّان. فيكون خلاصه أو هلاكه الأبديّ مرتبطًا بأمانته أو بخيانته. فإن كان أمينًا وحكيمًا "أقامه سيّده على كلّ ممتلكاته" (آية 47). وإذا كان غير أمين وحكيم "فصله وجعل نصيبه مع الكافرين"(آية 51).

أضاف الراعي: الأمانة تفترض المحبّة في قلب المسؤول. فلا يستطيع أن يكون ملتزمًا بواجب مسؤوليّته، إذا لم يكن في قلبه حبّ لموكّله ولواجبه وللأشخاص الموكّل عليهم. وليتذكّر المسؤول أنّه بفعل حبّ وثقة أسندت إليه المسؤوليّة. الأمانة تقتضي المبادلة بالحبّ والبقاء على مستوى الثقة.

أمّا الحكمة، وهي من مواهب الروح القدس السبع، فتبلغ ذروتها في مخافة الله. ذلك أنّها ممارسة المسؤوليّة تحت نظر الله، والانتباه الدائم إلى مرضاته في كلّ عمل وتدبير. ولذلك، يستلهم المسؤول أنوار الله وكلامه ورسومه، فينتصر على المصاعب، وعلى الإغراءات والتجارب.

أشار البطريرك إلى ما جاء في كتاب رؤيا القدّيس يوحنّا، أمر الربّ يوحنّا أن يكتب إلى ملاك إزمير: "كن أمينًا حتى الموت، وأنا أعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10)، "الإكليل" هو رمز سلطة الحكم في هذا العالم، التي تأتي من الله، وإليه ينبغي أن تعود. لكنّ "أركون هذا العالم" أي الشيطان يسلب هذه السلطة، ويضع الناس في صراع ونزاع فيما بينهم. وهكذا تبدأ خيانة الأمانة لله والناس الذين منحوا المسؤول ثقتهم ومحبّتهم. فيصبح الصراع بين الساعين إلى السلطة أو بين حامليها، والكلّ على حساب الشعب والأشخاص الموكلين عليهم. هذا هو واقع الأولاد عند خلاف الوالدين؛ وهذه حال المواطنين عندما يلهى أهل السلطة المدنيّة بمصالحهم أو بنزاعاتهم.

فالسلطة فنٌّ شريف لخدمة الإنسان والخير العام. فتوجب على المسؤولين أن يؤمّنوا للمواطنين الأوضاع الحياتيّة التي تمكّنهم من تحقيق ذواتهم تحقيقًا أفضل. وذلك من خلال ممارستهم المسؤولة على كلّ من المستوى التشريعي والإجرائي، والإقتصادي والإداريّ، والقضائي والثقافي. وعليهم أن يتّخذوا كقاعدة لنشاطاتهم الشخص البشريّ وكرامته وحقوقه الأساسيّة ونموّه الشامل. وتوجب عليهم مسؤوليّتهم السياسيّة توطيد السلام والعدالة والإستقرار الأمني، وحماية سيادة الدولة والكرامة الوطنيّة.

عن الناحية الوطنية قال البطريرك اليوم، مطلوب من المسؤولين السياسيّين عندنا، على اختلاف مواقعهم، تناسي نقاط الخلاف، والتلاقي بروح المسؤوليّة التاريخيّة، والعمل بجديّة على انتخاب رئيس للجمهوريّة يحظى بالثقة الداخليّة والخارجيّة. فإنّ انتخابه أولويّة في ظروفنا الحاضرة: لكي يبني الوحدة الوطنيّة الداخليّة، ولكي يسهر على تنفيذ القرار 1701 ووقف النار، ولكي يتولّى المفاوضات بشأن نقاط البحث المطروحة، وبشأن موقع لبنان في محيطه، ولكي ينتظم معه مجلس النوّاب ومجلس الوزراء، ولكي يستعيد موقع لبنان في الأسرتين العربيّة والدوليّة، ولكي يرعى شؤون النازحين اللبنانيّين الذين تجاوز عددهم المليون نسمة، ولكي يعمل مع سوريا والأسرة الدوليّة على عودة النازحين السوريّين إلى بلادهم ومساعدتهم هناك.

إنّ انتخاب رئيس للجمهوريّة لا يتحمّل بعد اليوم أي تأخير، أيًّا تكن الأسباب. فانتخابه يفوق كلّ اعتبار. إنّ عدم انتخابه لمدّة سنتين كان بحدّ ذاته جرمًا من المجلس النيابيّ لأنّه أدّى إلى تفكّك أوصال الدولة في ظرف دقيق للغاية.

وإنّا من جديد نعزّي عائلات ضحايا الحرب، ونرجو للجرحى الشفاء، وللمنكوبين العودة إلى ديارهم.

ختم البطريرك قائلًا: فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل توقّف الحرب في لبنان، وعودة اللاجئين إلى مناطقهم، وانتخاب رئيس للجمهوريّة، والتزام الحكومة والمؤسّسات الحكوميّة وغير الحكوميّة والمبادرات الجماعيّة والإفراديّة في تأمين المساعدات للعائلات النازحة من الجنوب وبيروت وبعلبّك وسواها، ونلتمس من الله رحمته علينا وعلى شعبنا ووطننا لبنان الجريح، فنرفع إليه الشكر والتسبيح الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين!