"مشروع الله هو دائمًا للخير والمحبّة للجميع":السفير البابويّ
ألقى السفير بورجيا عظة، جاء فيها: أودّ أن أنقل إليكم تحيّات الأب الأقدس، وبركاته. إنّه يحمل لبنان في قلبه ويتابع بعناية الوضع في البلاد، بخاصّة في هذه الأوقات الدقيقة التي نشهد فيها، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة الداخليّة التي تعصف بالبلاد، أزمة أخرى أكثر خطورة تتمثّل في الصراع في غزّة وجنوب لبنان وخطر تصاعد العنف الإقليميّ الذي قد تكون له آثار كارثيّة على الجميع".
وتابع: "أيّها الإخوة والأخوات، فلنصلِّ من أجل السلام، ونعمل من أجله، ولنطلب من الربّ أن يحوّل قلوب الجميع إلى قلوب سلام. الله لا يريد الحرب؛ الله يريد السلام للبشريّة، لأنّه إله الحياة والعدالة والمحبّة؛ أمّا الحرب، أيّا كانت، فهي تحمل معها الموت والويلات. باب السلام مفتوح دائمًا، إذا أردنا تحقيقه؛ بإمكاننا أن نغلّب كفّة العقل، والعدالة، والتفاهم، والقدرة على مسامحة بعضنا بعضًا".
أضاف المونسنيور: "يسعدني أن أكون في دير القمر وأشكركم على دعوتكم لي. أعرف مدى الحبّ والإخلاص الذي تكنّونه لـ" سيّدة التلّة"، التي لطالما كانت لكم مدعاة فرح، والملجأ، ومصدر الأمل. تقيم معكم، لا بل هي من أهل البيت، وتحيا في مجتمعكم".
أضاف: "دعونا نعبّر لها عن امتناننا لكلّ الخير الذي تلقّيناه منها حتّى الآن، دعونا نوكل إليها احتياجاتنا، ونطلب منها أن ترافقنا في طريق الحياة وأن تحملنا إلى الربّ يسوع، مصدر كلّ خير ونعمة. نحن أبناؤها وبناتها، فلنطلب منها أن تجعلنا نقترب منها كلّ يوم أكثر، هي أمّ الجميع، ومرتع الجمال والحبّ والنقاء الذي لا ينتهي..."
تابع السفير البابويّ كلامه: "كتب البابا بنديكتوس السادس عشر قائلًا إن نشيد مريم "تعظّم نفسي الربّ" يعكس روحها وشخصيّتها. هذه الترنيمة هي أيقونة حقيقيّة لمريم، حيث نراها كما هي، حتّى نسعى دومًا إلى أن نكون مثلها. تبدأ هذه الأغنية بالتعظيم: تعظّم نفسي الربّ. وهذا "يعلن عظمة" الربّ. تدرك مريم عظمة الله وتتمنّى أن يكون الله عظيمًا في العالم، عظيمًا في حياتها، حاضرًا بيننا جميعًا. لا تخشى أن يصبح الله "منافسًا" في حياتنا، وأن يأخذ شيئا من حريّتنا، من مساحة معيشتنا بعظمته. إنّها تعلم أنْ إذا كان الله عظيمًا، فنحن أيضًا عظماء. لا تكون حياتنا مقموعة، بل مرتفعة ومنفتحة ثم تصبح عظيمة في روعة الله. يختلف تفكير مريم عن تفكير أسلافنا الذين، خوفًا من عظمة الله وخشية من أن يأخذ شيئا من حياتهم، أكلوا ثمرة شجرة معرفة الخير والشرّ، واهمين أنّهم قد يكونون أكثر سعادة من دونه. في بعض الأحيان قد تقودنا التجربة، وهي أساس الخطيئة الأصليّة، إلى الاعتقاد بأنّنا إذا ما ابتعدنا عن الله قد نكون أكثر حريّة، من دون التزامات، قادرين على اتّخاذ القرارات بمفردنا، كما فعل الابن الضال في الإنجيل. لكنّ التجربة تُرينا أنّنا بعيدًا عن الله، نخاطر بفقدان أنفسنا، والابتعاد عن الآخرين وأن نمسي عبيدًا حقًا، لأنانيّتنا، للرذائل، للخطيئة".
أضاف: "تعلّمنا مريم أنّنا بحاجة إلى الله. تدرك مريم عظمة الله وتمجّدها. هي تعرف مقدار الحبّ والرحمة اللذين يحملهما الله للبشريّة ولها. تعترف بالنعم التي تلقّتها منه وتشكره من أعماق قلبها. مريم متواضعة، تدرك صغر حجمها، ولهذا، تمجّد الربّ الذي "انحنى على أمته المتواضعة". هذا يعلّمنا أن نكون ممتنين للربّ من أجل الحياة، وهبة الإيمان، والصحّة، والخبز اليوميّ، والأسرة، والعواطف... ففي نهاية المطاف، هذا ما نحتاج إليه. تضع مريم حياتها كلّها بين يدي الله حتّى يتمكّن من إنجاز أشياء عظيمة من خلالها".
أكّد السفير أنّ "مشروع الله هو دائمًا مشروع الخير والمحبّة للجميع. مريم تحمل يسوع في أحشائها، هو المخّلص، الذي من خلال تقديم حياته على الصليب، أنقذنا من خطايانا، وهو يرشدنا نحو الخير وينشر السلام في قلوبنا. مريم كريمة، تقدّم نفسها، لا تستسلم للمخاوف، لا تنظر إلى اهتماماتها الخاصّة، هي شجاعة وحاضرة. تعلّمنا أن نكون أداة منفعة للجميع: لأنفسنا ولعائلاتنا ومجتمعنا. هي أشبه بقلم في يد الله، يكتب به صفحات التاريخ البشريّ. كيف عسانا نكون أدوات لخدمة الخير في يد الله؟ من خلال التعلّم من يسوع واتّباعه كما فعلت مريم، تلميذة يسوع الأولى، لأنّها أوّل من تبعه وتعلّم منه. هي تقودنا إليه دائما بقولها لنا، كما في عرس قانا: "افعلوا ما يطلبه منكم"، بينما نتساءل نحن، ما الذي يطلبه يسوع منّا؟ طلب يسوع من تلاميذه أن يحبّوا بعضهم بعضًا كما هو أحبّهم".
وختم السفير البابويّ عظته قال: "الحبّ هو ما يريده الربّ منّا. الحبّ هو القادر أن يحقّق أشياء عظيمة فينا، تمامًا كما حصل مع مريم. يسوع يريد الحبّ الحقّ، بلا رياء أو نفاق. حبّ يتمثّل في الخدمة والمشاركة واستقبال المحتاج. الحبّ يحوّل، الحبّ مبدع، الحبّ يجمّل كلّ شيء أو يزيد من جماله، مثل الخميرة في العجين، والملح الذي يعطي النكهة أو الضوء الذي ينير.
فلنطلب من" سيّدة التلّة" أن تحمينا وتحتضننا بحنان بين ذراعيها الوالديّتين وأن ترشدنا على طريق الخير والحياة".