"مريم حاضرة في ليتورجيا الأزمنة الطقسيّة قرب ابنها يسوع": البطريرك الراعي
بعد قراءة الإنجيل المقدّس، تناول البطريرك الراعي في عظته شؤون دينيّة ووطنيّة.
إنطلق، في الشأن الدينيّ الروحيّ من الآية "في ملء الزمن أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (غلا 4: 4).
وقال: "بهذه الكلمة أراد بولس الرسول أن يبيّن أنّ الله هو سيّد التاريخ. فبعد بشارة زكريّا بمولد يوحنّا، وقد أصبحت زوجته اليصابات في شهرها السادس، أرسل الله جبرائيل الملاك يحمل البشارة إلى مريم، عذراء الناصرة، المخطوبة ليوسف من بيت داود الملك. إنّها بشرى الإنجيل، هذا الخبر المفرح للبشريّة جمعاء، وهي أنّ الله يريد كلّ إنسان يولد لإمرأة، ويحبّه ويخصّه بدور متناسب مع فرادته في تاريخ الخلاص، ويرافقه بعنايته في مراحل حياته كلّها".
أضاف البطريرك أنّ بشارة مريم، بتحديد مكانها وزمانها، تبيّن أنّ الله يواكب تاريخ البشر، ويكشف أسراره الخلاصيّة في الوقت المناسب، ومع الأشخاص الذين اختارهم لهذه الغاية. فلكلّ إنسان دور ما في تاريخ الخلاص، وفقًا لحالته وموقعه ومسؤوليّاته.
بهذه الحقيقة يظهر أمامنا لاهوت الزمن الذي تقدّمه لنا الليتورجيا، وهي تعتبره انفتاحًا دائمًا على تجليّات الله، وانتظارها في مسيرة الرجاء. لذا تدعونا الكنيسة إلى تقديس الزمن ليلًا ونهارًا بالصلاة.
فوق ذلك، تقسم الليتورجيا السنة إلى أزمنة مرتبطة بوقائع تاريخ الخلاص، وتفسح في المجال أمام المؤمنين والمؤمنات لعيشها والامتلاء من نعمة الخلاص (دستور الليتورجيا، 102).
إنّنا نجد مريم حاضرة في ليتورجيا الأزمنة الطقسيّة قرب ابنها يسوع، وهي أمته وشريكته في عمل الفداء وأمّ كنيسته. وتتّحد بشكل لا ينفصم بعمله الخلاصيّ. وفي شخصها ترى الكنيسة بإعجاب وتعظّم ثمرة الفداء الأسمى، وفيها تتأمّل بفرح.
الوسيط الوحيد بين الله والناس هو الإنسان يسوع المسيح الذي بذل ذاته فدىً عن الجميع (1طيم 2: 5-6). أمّا وساطة أمّه مريم فتكشف فاعليّة وساطة ابنها الإله والإنسان. وساطتها ليست من ذاتها، بل تنبع من فيض استحقاقات المسيح ابنها. بوساطتها تسهّل اتّحاد المؤمنين بالمسيح ولا تصنعه (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 60).
أمّا مشاركتها في عمل الفداء، فهي كما علّمتها الكنيسة أنّها: بحبلها بالمسيح وولادته وتغذيته، وتقديمه إلى الآب في الهيكل، وبآلامها مع ابنها المائت على الصليب، شاركت بشكلٍ خاصّ في عمل المخلّص، بالطاعة والإيمان والرجاء والمحبّة الحارّة من أجل أن تنال النفوس الحياة الأبديّة. وبهذا اصبحت لنا أمًّا بالنعمة (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 61).
وساطة مريم ومشاركتها في عمل الفداء والخلاص مستمرّان بتشفّعها بأبنائها وبناتها المسافرين في بحر هذا العالم لكي ينالوا الخلاص الأبديّ. ولهذا تصلّي إليها الكنيسة وتدعوها أمّ المعونة الدائمة، وسيّدة المعونات والمحامية والوسيطة. فهي وحدها تقودنا إلى الاتّحاد بابنها الذي هو الوسيط الوحيد والمخلّص الأوحد (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 62).
في نهاية الحوار بين الملاك ومريم، أعطت مريم جوابها على تصميم الله عليها، قبل انتقالها إلى بيت رجلها يوسف، جواب رضى وحريّة، جواب إيمان ومحبّة: "أنا خادمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1: 38). يمتاز إيمان مريم بثلاثة:
أ- إنّه فعل تسليم وجهوزيّة ذات.
ب- مريم تبذل ذاتها وكيانها كلّه بفرح وثقة للابن الإلهيّ الذي يأخذ طبيعة بشريّة منها، وهي عذراء، بقوّة الروح القدس.
ب- إنّه فعل طاعة: قبلت به دخولَ تدبيرِ الله الخلاصيّ للبشريّة. إنّها تقبل الدور المصيريّ والمسؤوليّة الملزمة بأن تكون أمًّا للمسيح. لم يكن غريبًا أن تلد عاقر، لكن الغريب أن تلد عذراء.
ج- إنّه فعل ثقة. لقد اقتنعت مريم ووضعت ذاتها بتصرّف الربّ بكلّ صدق وعمق. إنّها تهب ذاتها للربّ بكلّ ثقة، وبكلّ يقين، وتهبها إلى صدق مواعيد الله.
هذا الإيمان المميّز جعل إليصابات تهتف: "طوبى للتي آمنت بأنّ ما قيل لها من قبل الربّ سيتمّ" (لو 1: 45).
إسألي لنا، يا مريم، من ابنك يسوع المسيح، ولو قدْرَ حبّة خردل
من إيمانك.