لبنان
13 تشرين الثاني 2024, 07:20

"مثل السامريّ الصالح يكشف لنا معنى الرحمة الحقيقيّة": المطران إبراهيم

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المطران ابراهيم مخايل إبراهيم، راعي أبرشيّة زحلة والفرزل للروم الملكيّين الكاثوليك بالقدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة سيّدة النجاة - زحلة بحضور شخصيّات وفاعليّات وحشد من المؤمنين وتناول في عظته مثَل السامريّ الصالح.

 

قال المطران إبراهيم في عظته "إنّ مثَل السامريّ الصالح يكشف لنا معنى الرحمة الحقيقيّة من خلال العمل الذي عمله السامريّ وهو عطف على الرجل المجروح واهتمّ به، مع أنّ الكاهن واللاوي، اللذين كان من المتوقّع منهما أن يقدّما المساعدة، مرّا بجانب الجريح من دون التوقّف.  

يسوع، في هذا المثل، لم يتوقّف عند الجانب الخارجيّ للرحمة، بل عمّق فهمنا للعلاقة مع الله والناس من خلال أعمال الرحمة النابعة من القلب".

تابع المطران: "كم يؤلمني موقف الكاهن واللاوي اللذين عبرا بجانب الرجل المجروح من دون أي اكتراثٍ به أو إحساس بالمسؤوليّة. هذا الموقف يعكس لامبالاة نجدها في مجتمعنا اليوم، حيث يمكن للمرء أن يمرّ بجانب الألم والعوز من دون أن تهتزّ مشاعره أو يمدّ يده للمساعدة. كم من الناس نلتقيهم في حياتنا يشبهون الكاهن واللاوي، يمتلكون المعرفة، وربّما يحتلّون مكانة دينيّة أو اجتماعيّة، لكنّ قلوبهم مغلقة أمام معاناة الآخرين؟"

أكمل المطران كلامه: "هذا المثل يُشجّعنا على مواجهة اللامبالاة التي قد تكون متجذّرة في المجتمع، ويدعونا إلى التساؤل: هل نتحرّك بدافع المحبّة نحو الآخرين، أم ننشغل بذواتنا ونسير متجاهلين كلّ جريح ومحتاج في طريقنا؟

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤلمني أكثر بكثير من موقف الكاهن واللاوي، موقفُ أولئك الذين يدّعون أنّهم سامريّون صالحون بينما هم في الواقع دجّالون وكذبة. في عالم اليوم، نجد من يُمكن أن نسمّيهم "السامريّ الطالح وليس السامريّ الصالح". فالسامريّون الطالحون يتظاهرون بأنّهم يخدمون الآخرين فينشئون جمعيّات ومؤسّسات تَرفعُ راية الخير والعطاء، بينما هي في الحقيقة غطاء لسرقة أموال الفقراء وتحقيق ثروات شخصيّة وتبييض الأموال. هؤلاء الأشخاص ومنهم سياسيّون ورجال دنيا ودين كالكاهن واللاوي لا يقلّون خطرًا عن السارقين الذين يهاجمون الإنسان المجروح في هذا المثل لأنّهم يستغلّون أسمى معاني الرحمة والمحبّة كوسيلة لتحقيق مصالحهم الخاصّة.

هؤلاء الناس خطر على المجتمع وعلى الوطن وهم عامل أساسيّ من بين العوامل التي أوصلت لبنان إلى هذا الظلام، فهم لا يكتفون بإهمال المواطنين والمودعين والمحتاجين، بل يتعدّون ذلك إلى استغلالهم، فينزعون عنهم آخر ما يملكون من كرامة وأمل. هؤلاء السامريّون الكذَبة يسيئون إلى الرسالة المسيحيّة الحقيقيّة، ويجعلون الناس يفقدون الثقة في المؤسّسات الخيريّة، ما يزيد من معاناة الفقراء ويُعمّق جراحهم".

قال المطران إبراهيم أيضًا: "كم نحن بحاجة إلى وعي روحيّ وأخلاقيّ يُمكّننا من التمييز بين الرحمة الحقيقيّة والرحمة المزيّفة، وأن نقف بحزم ضدّ من يُسيء إلى رسالتنا عبر استغلال حاجات الآخرين لتحقيق مكاسب دنيويّة!

في عالم اليوم، نجد أنفسنا محاطين بالكثير من الذين هم في أمسّ الحاجة إلى "سامريّ صالح" في حياتهم: الفقراء، المتألّمين، المهملين، المجروحين نفسيًّا وجسديًّا. قد لا تكون الجراح ظاهرة للعيان، لكنّها موجودة وتحتاج إلى لمسات حبّ واهتمام. وهنا تأتي رسالتنا كمؤمنين لنجسّد الرحمة الإلهيّة التي علّمنا إيّاها يسوع".

في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها وطننا الحبيب لبنان، يبرز "مطعم يوحنّا الرحيم" ومطرانيّتنا ومستشفى تلّ شيحا ومدرستا سانت ريتا وسان أندره كنماذج عمليّة لتعليم يسوع في هذا المثل. هذه ليست مجرّد أماكن لتقديم الطعام والاستشفاء والتعليم، بل هي رسالة محبّة عمليّة، ويد ممدودة بالرحمة للمتألّمين والمحتاجين. هي دعوة لنعيش رسالة الرحمة والمحبّة من دون حدود، وأن نكون سامريّين صالحين في حياة مَن حولنا، خصوصًا في أوقات المحن".

إختتم المطران كلامه بالقول: "إذًا، كم نحن مدعوّون اليوم، كلّ واحد منّا، إلى أن يكون سامريًّا صالحًا لمن هم حوله، وأن يعيش الرسالة المسيحيّة بأبعادها كلّها، فيحمل للآخرين الأمل والرجاء، ويساعد في بناء لبنان الوطن من خلال المحبّة والعطاء. آمين."