لبنان
09 كانون الأول 2024, 12:00

"ليمنحنا الربّ الساكن قلوبنا سلامًا داخليًّا": المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل المتروبوليت الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس بقدّاس نهار الأحد ٨ كانون الأوّل/يناير ٢٠٢٤ في كاتدرائية القدّيس جاورجيوس في وسط بيروت، بحضور شخصيّات وفاعليّات وحشد من المؤمنين.

 

بعد قراءة الإنجيل المقدّس قال المطران عوده:  

"كان الرسول بولس يبدأ رسائله بطلب النعمة والسلام لسامعيه قائلًا مثلًا: "نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا والربّ يسوع المسيح" (أف 1: 2). أمّا رسالة اليوم فمطلعها: "يا إخوة، إنّ المسيح هو سلامنا". لا يتحدّث الرسول عن سلام تسعى إليه الشعوب، وقد كان سائدًا في أيّامه، أي السلام الرومانيّ الذي حقّقته الإمبراطوريّة الرومانيّة عبر بسط سيطرتها على شعوب منطقة البحر الأبيض المتوسّط، واضعةً حدًّا لهجمات القراصنة والبرابرة. إنّه سلامٌ مختلفٌ، سلام الله، يسوع المسيح المتجسّد لخلاصنا والقائل: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب" (يو 14: 27). يمنحنا الربّ الساكن قلوبنا سلامًا داخليًّا يجلب لنا انسجامًا في علاقتنا مع الله والناس. هذا السلام يبدأ من الخارج، من محاولة الإنسان أن يتصالح مع من حوله. يقول الرسول بولس: "لا يغلبنّك الشرّ، بل اغلب الشرّ بالخير" (رو 12: 21).

إذا كان السلام الخارجيّ الذي تسعى إليه الشعوب يرتبط غالبًا بالحروب، أي يكون نتيجة انتصار القويّ على الضعيف وفرض سيطرته عليه، فإنّ سلام الله، السلام الداخليّ الذي يسعى إليه المؤمنون، يرتبط أيضًا بالحرب، إنّما بحرب من نوع آخر يدعونا إليها الله، ليست ضدّ الناس الآخرين، لأنّه لا يريدنا أن نتقاتل، كون ذلك مخالفًا لوصاياه القائمة على المحبّة لا على الحرب والقتل. حربنا هي ضدّ قوى الشرّ الروحيّة، لا البشريّة، كما يقول لنا الرسول بولس: "فإنّ مصارعتنا ليست ضدّ دم ولحم، بل ضدّ الرئاسات، ضدّ ولاة العالم، عالم ظلمة هذا الدهر، ضدّ أجناد الشرّ الروحيّة في السماويّات" (أف 6: 12)...

تابع المطران عوده: "إنّها حربٌ صعبةٌ، لأنّ العدوّ هو إبليس الساعي دائمًا إلى جذبنا نحوه، بعيدًا عن الله مصدر حياتنا...

يعتقد بعض المسيحيّين أنّ عليهم حمل السلاح لمحاربة الساعين إلى قتلهم أو إخضاعهم. غير أنّ الرسول بولس يقطع عليهم الطريق، مذكّرًا إيّاهم بأنّ الحرب ليست ضدّ البشر، والسلاح الذي عليهم حمله ليس مادّيًّا، بل هي حربٌ روحيّة تقوم على الفضائل التي يطلب الربّ منّا أن نسلك وفقها وهي الحقّ والبرّ والإيمان والخلاص (أف6: 14-17).

هجومنا لا يمكن أن يكون مادّيًّا، بل هو بكلمة الله الأمضى من أيّ سلاح، ولا يقدر أيّ سلاح على صدّها. نقرأ في سفر إشعياء: "كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك، بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعًا للزارع وخبزًا للآكل، هكذا تكون كلمتي (أي كلمة الله) التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغةً بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له" (إش 55: 11). هذا ما فعله المسيح المتجسّد، الذي عندما صلب، وقبل أن يعود إلى أحضان الآب قال: "قد تمّ".

التسلّح بكلمة الله يعني العيش وفقها، فليس المطلوب من المؤمن أن يردّد كلمة الله بل أن يحياها، فتفعل فيه وتنطلق من خلاله إلى الآخرين لتفعل فيهم أيضًا. إذًا، دعوتنا اليوم ليست إلى الحرب، بل إلى عيش سلام مسيحنا الآتي ليتجسّد ويحارب شرّ هذا العالم بالكلمة والمحبّة.  

يا أحبّة، بعد أسوأ وأشرس حرب عاشها لبنان...يصبو اللبنانيّون إلى عيش سلام يعيد إلى نفوسهم الطمأنينة والأمل بغد مشرق، واضعين ثقتهم في دولتهم، آملين أن تبسط سلطتها على كامل أرضها، وأن تستعيد دورها وثقة اللبنانيّين والعالم بها. لدى لبنان الآن فرصةٌ تاريخيةٌ لإثبات قدرته على حكم نفسه وبسط نفوذه وتقوية جيشه وبناء مؤسّساته واحترام استقلاليّة قضائه، وهذا لن يحصل إلّا بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة فماذا ننتظر؟ ...

الله محبّةٌ وهو يدعو إلى محبّة الآخر كائنًا من يكون، والعيش معه بسلام واحترام "فينسق البنيان كلّه وينمو هيكلًا مقدّسًا للربّ" كما قال بولس...آمين".